المجتمعات المعاصرة مولعة بالرياضة. من الصعب أن تجد أشخاصا في مجتمعات اليوم لا تحب ممارسة الرياضة أو تشجع فرقها ولاعبيها. الألعاب الفردية والجماعية تستحوذ على اهتمام مئات الملايين من الصغار والكبار في مشارق الأرض ومغاربها. في قرانا وبلداتنا يعرف الصغار والكبار مشاهير الأبطال في المصارعة والملاكمة والجودو والكراتيه والتنس الأرضي كما يعرفون ابطال سباق السيارات والعدو والقفز ورماية الرمح وغيرها من مئات الألعاب التي تشكل محورا لاهتمام الملايين ومادة للمواد التي تعرضها عشرات القنوات التلفزيونية.
في الأردن يعرف الشباب والصغار وحتى الكهول أسماء الفرق والنوادي الأوروبية التي تتنافس على بطولات وكؤوس كرة القدم على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية. في مناسبات عديدة ينقسم الجمهور الأردني على أساس انحيازاتهم الكروية فقد تجد في العائلة الواحدة من يشجع نادي ريال مدريد وبرشلونة وقد يختلفون ويتخاصمون دون أن يعرفوا الاسباب التي دفعتهم الى هذا الميل والتعصب.
صور وأسماء النجوم للكرة الاوروبية والعالمية تغطي مساحات واسعة من جدران غرف أبنائنا كما تنتشر رايات النوادي والوان وشعارات قمصان اللاعبين على مساحة الفضاء العام في المدن والقرى والارياف. منذ ايام شاهد بعض الضيوف غير العرب العلم السويسري على بوابة احد البيوت في إحدى القرى الجنوبية، ولدى سؤالهم عن سبب وجود العلم، أفاد السكان بأن أحد الأبناء يشجع الفريق الكروي السويسري.
كريستيانو رونالدو وميسي وبيكيه يتمتعون بشعبية بين الشباب والجماهير الكروية تفوق شعبية أي سياسي أو نجم من نجوم الفن في بلادنا.. في تعبير لا يخلو من المجاملة قال أحد الأطفال لأمه بأنه يحبها بمقدار حبه لرونالدو. الأبطال الجدد في حياة أطفالنا وشبابنا يوجدون خارج الحدود وكذلك المجد والشهرة.
في كل مرة أواجه مشاهد الإعجاب والتعلق بالنجوم العالميين يخطر ببالي سيل من الأسئلة حول الأسباب التي حالت دون وصول أبنائنا الى مستويات مشابهة في الفن والرياضة والابداع. مساحات الحرية ومؤسسات استكشاف الابداع والتفوق وبرامج رعاية وتطوير المواهب التي تدار من اشخاص ومجالس وهيئات تؤمن بقدرة الانسان وتتجنب الاخضاع والتطبيع ووضع المعوقات عوامل مهمة لظهور مثل هذه القدرات.
الكثير من الحالات التي تم اكتشاف مواهبها واستعدادها وقيل إنها حالات واعدة اختفت من المشهد قبل أن تنال نصيبها من الشهرة والنجومية. الانطفاء المبكر لشعلة الموهبة يثير الكثير من الأسئلة حول قدرة المجتمع ومؤسساته على اكتشاف وتبني ورعاية المواهب ليس في الرياضة فحسب. في بلد يرى أن أفضل موارده الانسان لا بد من وجود مؤسسات متخصصة للاكتشاف المبكر للمواهب والقدرات، وايجاد البرامج المؤسسية لتطويرها كما الشركات التي تطور رأس المال.
في اميركا اللاتينية هناك رجال ونساء يتجولون في الاحياء الشعبية يراقبون الاطفال وهم يلعبون الكرة. هؤلاء الخبراء أو ما يطلق عليهم صفة "الصيادين" يهتمون بالتعرف على الأطفال الموهوبين في لعبة كرة القدم حيث يختارون من بين من يقع عليهم الاختيار مجموعات ليتم تدريبها وتطوير مهاراتها ودمجها في النوادي والفرق المشهورة.
الرياضة والفن والمواهب والملكات التي يظهرها الصغار والشباب أحد أهم عناصر البناء المعنوي للأمة وإظهار قدرتها على التجديد والمنافسة والتفوق. إسهامات بعض الموسيقيين واللاعبين والمغنين في دول هايتي وبورتيروكو وجامايكا تزيد على عائدات البلاد من الناتج الزراعي والسياحي والصناعي فالمواهب ملكيات فكرية وبدنية تقوم عليها السمعة والشهرة والصناعات الثقافية التي يمكن أن تنعش الاقتصاد.
لا أعرف إذا كان على أجندة وزارة الشباب التي يتعاقب على إدارتها عدد من الوزراء مشروع لاستكشاف المواهب الرياضية وتطويرها أو أن هناك رؤية مبلورة لرعاية التميز والابداع إلى جانب ما تقوم به في التصدي لثقافة التطرف والتأكيد على أن العقل السليم في الجسم السليم.
الغد