تلحّ علي زوجتي (أم محمد) منذ فترة أن أكتب شيئا في الحبّ، والسيدة المصون- أطال الله عمرها وقصّر شرّها- تعتقد أن ما أكتبه من حبٍّ موجهٌ لها، وهي المعنية بعناوين سابقة كتبتها مثل: (من قصص العاشقين)، (ومن الحبّ ما قتل)، و(الحبُّ حاضنة الإبداع) حتى (الحبّ العابر للأديان). ولا يخفى قوة وجبروت الزوجة، وقدرتها على إخضاع الزوج المسكين لرغباتها، لذلك يرمز لها بـ (الداخلية) عند العرب جميعا، وفي هذا التشبيه البليغ ما فيه.
أما سبب امتناعي عن الكتابة في الحبّ، فهو ما أثاره بعض الأصحاب والأحباب، أنني أعيش في حالة حب، وأنني أمرّ بمرحلة ما يُعرف بـ (جهل الأربعين) فالزوج –على تحليلهم- يرجع إلى المراهقة في سنِّ الأربعين، وأن ما أكتبه موجه إلى امرأة ما في الكون الفسيح، لكنه بغير شك ليس موجها إلى حرمنا المصون من وجهة نظرهم. ولأنني أومن بالأمثال الشعبية الناتجة عن التجربة العملية، عملت بالمثل الشعبي القائل:( الباب اللي يجيك منه الريح، سدّه واستريح) فأغلقت الباب، ولم أكتب في الحب، سدًّا للذرائع كما هو مذهب الإمام مالك- ونحن في زمن المذاهب- وقطعا لبعض الألسنة التي يصل طولها إنْ مدّها أصحابها إلى الصين.
ووقفت حائرا بين ضغط الأصحاب الأعزاء وضغط الزوجة الغالية، علما أن ضغط الأصحاب النابع من إصدار الإشاعات والمعلومات الكاذبة والمضللة أمر اعتدنا عليه في بلدنا، حتى صار خبزا يوميا لنا، وأتذكر أن إنسانا لم أسمع به قطّ رأى صورتي في حفل رسمي، فشتمني بشتائم قذرة كتعليق على الصورة، ولما قرأت التعليق ضحكت، وضحكت، وانتهى الموقف. فاغتيال الشخصية صار أسلوبا لبعض أصحاب المصالح، والعجزة، والكسالى، والحاقدين، ولا أعتقد أن النزول إلى مستواهم والردّ عليهم سيغير من طبيعتهم المريضة، ولكن ينبغي أن تطبّق فيهم نصوص القانون المانعة من مثل هذه الأفعال غير السوية. فإصدار الشائعات، ومحاولات اغتيال الشخصية، أسلوب الضعيف أمام القوي، وقد علمتني الحياة أن الكبير يظلّ كبيرا مهما فعل الصغار.
وأما أصحابي الكبار فإشاعتهم هدفها أن يعززوا ثقتي بنفسي، وأن يأكدوا على استقلاليتي عن زوجتي، وقدرتي على الحب والعشق في مثل سني؛ لأنني ما زلت في ريعان شبابي. والحق يُقال: إن نيتهم السليمة ذهبت أدراج الرياح، فأنا لست في سنٍّ ولا عقل، ولا صحة، تسمح لي بالدوران خارج مدار السيدة حرمنا المصون. فهي التي تطعمني، ومنْ يُطعِم يَحكُم، هذه حال الأفراد والدول، فلمَ أشذّ عن هذه القاعدة؟ أتخيّلُ لو أنها تمرّدَتْ عليّ، وامتنعت عن صنع الطعام لا قدر الله، ماذا سيحصل لي؟ سيصيبني الانتفاخ بسبب أكل الفلافل والحمص والفول، ويصير بطني كالمنطاد الذي يحلق في السماء، أو كحاملٍ جاء شهرها، ولم تضع حملها، وكل ذلك مصحوب بآلام القولون (عفا الله عنه) وهي لا تعرف شفقة ولا رحمة. أو أن السيدة (أم محمد) ستبدأ بعملية الإسراف في شراء الأغراض للمنزل، وتتخلى عن حرصها المحمود، وتقشّفها المعهود، وقدرتها على الادخار، في وضع اقتصادي مُرّ، مما سيجعلنا على (الجنط) في بداية الشهر، وعليّ أن أتدبّر أموري، وهذه حال لا تليق لمن هم في سنّي.
فحرصًا مني على الصحة والمال، وعنادا في أصحابي الأعزاء سأكتب في الحب، هدية مني لحرمنا المصون، لا خوفا منها، ولا خشية من انتقامها؛ فأنا لا أخاف إلا من الله خالقي، ولا يأخذ الروح إلا من أوجدها، ولا يفلّ الحديد إلا الحديد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الدستور