رغم العواصف التي ما زالت تضرب المنطقة، ورغم ما تخلّفه من ظلال فكر متطرف وأصوات ظلامية، كان هناك من يعمل في صمت، بعيدًا عن الضجيج، يحصي الأنفاس ويقرأ النوايا. وعلى مدى أربع سنوات، لم تغفل أعينهم، تتبعت خطوات خفية، وجمعت خيوطًا مبعثرة، حتى تكاملت الصورة. وحين آن أوان الكشف، أعلنت دائرة المخابرات العامة عن سقوط خلية إرهابية خطيرة، كانت تخطط في الخفاء لضرب أمن هذا الوطن. إعلان لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان شاهدًا جديدًا على احترافية راسخة، ومهنية لا تخطئ الهدف.
احباط هذه العملية لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاج جهد استخباري دؤوب، وتحليل ممنهج للمعطيات، وتعامل احترافي مع معلومات متقاطعة تشير إلى تحركات مشبوهة. أربع سنوات من العمل بصمت، من تتبع الأفراد والاتصالات والعلاقات والأنشطة، لتأتي لحظة الحسم وتُسقط هذه الخلية قبل أن تضع مخططاتها موضع التنفيذ.
ما يزيد من خطورة هذه المجموعة هو أنها لم تكن تعمل في عزلة، بل كانت لها ارتباطات خارجية، تؤكد أن الخطر على الأردن لا يأتي فقط من الداخل، بل أيضًا من شبكات خارجية تسعى إلى التسلل عبر الحدود الفكرية والجغرافية لزعزعة استقرار البلاد. تلك الارتباطات الخارجية تعكس تعقيد المشهد الأمني الإقليمي، وتُظهر مدى التداخل بين التنظيمات الإرهابية وأدواتها في المنطقة.
الأدوات التي ضُبطت بحوزة أفراد الخلية كانت محلية الصنع، لكنها متقنة، وتشير بشكل واضح إلى أن الاستهداف كان داخليًا. وهذا بحد ذاته يحمل دلالات بالغة الخطورة، إذ يكشف عن نوايا خبيثة لاستهداف منشآت أو تجمعات داخل الأراضي الأردنية، في محاولة لخلق حالة من الفوضى والرعب، وتفكيك النسيج الوطني المتماسك.
ولكن، وكما في كل مرة، كانت العين الساهرة أسرع من رصاص الحقد. دائرة المخابرات العامة، التي تعمل وفق عقيدة وطنية راسخة، استطاعت أن تسبق الخطر بخطوات، وتمنعه من الاقتراب من حدود الأردن الآمن. هذه العقيدة التي يقوم عليها جهاز المخابرات، والمبنية على الإيمان العميق بأن الأمن مسؤولية مقدسة، تُترجم يومًا بعد يوم إلى عمليات ناجحة تحفظ الأرواح وتحمي الوطن.
ما يُميز هذه المؤسسة أنها تعمل في صمت، بلا ضجيج، لكنها حين تتحدث، فإنها تفعل ذلك بلغة الإنجاز، لا بلغة الشعارات. وما هذه العملية الأخيرة إلا دليل ساطع على الاحترافية التي يتمتع بها منتسبو الدائرة، وقدرتهم على التعامل مع التهديدات المعقدة بكل حنكة وهدوء.
ولا يمكن الحديث عن هذه الإنجازات دون الإشارة إلى الدعم الملكي الثابت الذي تحظى به دائرة المخابرات العامة من جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة. هذا الدعم ليس فقط دعمًا سياسيًا أو لوجستيًا، بل هو إيمان عميق بأهمية وجود جهاز أمني قوي ومحترف يشكّل الحصن المنيع للدولة الأردنية في وجه كل من يحاول المساس بأمنها.
اليوم، ومع سقوط هذه الخلية، يجدد الأردنيون ثقتهم بجهازهم الأمني، ويشعرون بطمأنينة أن هناك رجالًا ونساءً يعملون في الظل من أجل أن ينعم الوطن بالنور. إنها معركة يومية تخوضها دائرة المخابرات العامة نيابة عن الجميع، معركة ضد فكر متطرف، وضد مؤامرات لا تتوقف، ومعركة من أجل أن يبقى الأردن كما أراده أبناؤه: واحة أمن واستقرار وسط عالم مضطرب.
تحية فخر واعتزاز لرجال المخابرات العامة... أنتم العيون التي لا تنام، والسد الذي لا يخترق، والدرع الذي لا ينكسر.