مناسبات أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مستثمرون دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

ماذا يعني تجاوز النسبة المقدرة؟


سلامة الدرعاوي

ماذا يعني تجاوز النسبة المقدرة؟

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ
يواصل الاقتصاد الأردني سعيه مخالفا التوقعات ويكسر حدود التقديرات الأولية، فعندما يسجل الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً بنسبة 2.7 % خلال الربع الأخير من العام 2024 مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2023، بدلاً من النسبة المقدرة وهي 2.5 %، فهذا ليس مجرد رقم، إنه إشارة واضحة إلى مرونة الاقتصاد الأردني وقدرته على النمو رغم التحديات.
إذاً، كيف نفهم هذا النمو الذي يتجاوز التوقعات؟ ببساطة، إن تحقيق نمو 2.5 % للعام 2024 كاملاً، مقارنة مع التوقعات الأولية البالغة 2.3 %، يعكس قدرة الاقتصاد على التكيف مع الضغوط الإقليمية والتغيرات الجيوسياسية، ففي منطقة مثقلة بالصراعات وعدم الاستقرار، يعد تحقيق هذه النسب إنجازاً يعبر عن حيوية القطاعين السلعي والخدمي.
هذه الأرقام لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة أداء القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي حققت معدلات نمو مميزة، فقطاع الزراعة سجل ارتفاعاً بنسبة 8.4 %، بينما تألقت الصناعات التحويلية بنسبة 9.4 %، والصناعات الاستخراجية بنسبة 4.5 %، فهذا الأداء يظهر كيف يمكن لمزيج من الاستراتيجيات الاقتصادية والشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص أن يحول التحديات إلى فرص ملموسة.
وما يلفت الانتباه أيضاً هو أداء القطاعات الخدمية، حيث حقق قطاع النقل والتخزين والاتصالات نمواً بنسبة 3.7 %، وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم بنسبة 3.1 %، هذه النسب لا تعني مجرد تحسن مؤقت، بل تعبر عن ديناميكية حقيقية في الاقتصاد تعكس استدامة النمو، حتى في ظل الظروف غير المواتية.
النقطة الحاسمة هنا هي أن الحكومة الأردنية لم تقف مكتوفة اليدين، بل عززت مناعة الاقتصاد عبر سياسات إصلاحية، حيث لم تكن الشراكة مع القطاع الخاص مجرد شعار، بل منهج عمل لتفعيل إمكانيات الاقتصاد الكامنة، فهذه السياسات لم تكتفِ بدعم النمو فحسب، بل أسهمت أيضاً في رفع احتياطيات العملات الأجنبية وتعزيز الطلب المحلي.
وعندما نتحدث عن الصادرات، فإن ارتفاعها بنسبة 4.1 % في العام 2024 لتصل إلى 12.1 مليار دولار يعد مؤشراً على قدرة الاقتصاد على المنافسة رغم الظروف العالمية الصعبة، كذلك، فإن ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 22 % في الشهر الأول من العام 2025 يعزز الثقة بأن القطاع السياحي في طريقه إلى استعادة زخمه.
ولا يمكن إغفال أهمية تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بلغت 1.3 مليار دولار خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2024. هذه التدفقات لم تكن مجرد إضافة رقمية، بل أسهمت في تحفيز القطاعات الإنتاجية ودعم سوق العمل.
إن تجاوز نسبة النمو المقدرة ليس فقط مدعاة للفخر، بل هو دعوة لتعزيز الثقة في قدرة الاقتصاد الأردني على الصمود والتكيف، إذ إنها إشارة إلى أن الجهود الحكومية والسياسات الاقتصادية تؤتي ثمارها. ومع توقعات البنك المركزي بارتفاع النمو إلى 2.7 % في العام 2025 واستمراره إلى 3.5 % في المدى المتوسط، فإن الأردن يمضي نحو مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي.
لكن هل يمكننا أن نكتفي بذلك؟ بالطبع لا، فالحفاظ على هذا الزخم يتطلب تعزيز الإصلاحات الاقتصادية، وتحقيق تنوع أكبر في الأنشطة الإنتاجية، وتقوية البنية التحتية الرقمية لتصبح أساساً للنمو المستقبلي، فالأرقام الإيجابية هي بداية طريق طويل يحتاج إلى إدارة حذرة وسياسات أكثر ابتكاراً.
إن تجاوز التوقعات الاقتصادية في الأردن يثبت أن القدرة على النمو ليست مجرد معطى ثابت، بل حصيلة سياسات حكيمة وإرادة شعبية للنهوض من بين الركام، فالسؤال الآن: هل يستمر هذا الزخم في مواجهة التحديات المستقبلية؟ الإجابة تكمن في مدى قدرتنا على البناء على هذه النجاحات وتعزيز ركائز الاقتصاد الوطني.
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ