مناسبات أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات أسرار ومجالس مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الشوبكي يكتب: من الميدان إلى واشنطن.. جعفر حسان في مهمة دبلوماسية


راكان نواف الشوبكي

الشوبكي يكتب: من الميدان إلى واشنطن.. جعفر حسان في مهمة دبلوماسية

مدار الساعة ـ
بتكليف مباشر من جلالة الملك عبدالله الثاني، يتجه رئيس الوزراء ووزير الدفاع الدكتور جعفر حسان هذا الأسبوع إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في زيارة تحمل طابعاً سياسياً واقتصادياً متقدماً، وتُعد الأولى من نوعها في سجل رؤساء الحكومات الأردنية من حيث الشكل والمضمون.
لطالما كان جلالة الملك عبدالله الثاني يؤمن بأن الجهد السياسي والدبلوماسي لا يُبنى على الجهود الفردية العابرة، بل على استمرارية المؤسسات وتحمّل المسؤولية من قبل من يتولون المواقع العامة. وفي قلب هذا الإيمان الملكي، تقع فلسفة التكليف؛ فالمسؤول الذي ينال ثقة جلالة الملك يُنتظر منه أن لا يكتفي بإدارة الملفات اليومية والانشغال بها، بل أن يُكمل البناء، ويوسّع الأفق ويعمل بنهج وتخطيط واضح، ويترجم علاقات الأردن الدولية والدبلوماسية إلى منجز وطني ملموس. من هنا، تأتي زيارة الدكتور جعفر حسان إلى واشنطن كتجسيد عملي لهذا النهج؛ انتقال المسؤول من الموقع التنفيذي إلى الحضور الفاعل في ساحات العمل الميداني بين المواطنين وعلى ساحات القرار الدولية، استكمالاً لما أسّسه جلالة الملك خلال عقود من العمل الدبلوماسي الهادئ والفاعل.
الزيارة تأتي في توقيت استثنائي؛ حيث دخلت الإدارة الأميركية الجديدة منذ ما يقارب ستة أشهر مرحلة مراجعة شاملة لعلاقاتها الدولية، وبدأت بإجراءات انعكست بشكل مباشر على الأردن، من أبرزها فرض تعرفة جمركية بنسبة 20% على صادرات أردنية رئيسية، وتقليص الدعم التنموي التقليدي من خلال وكالة “USAID”، وهي ملفات تحتاج إلى مواجهة مباشرة وشراكة صريحة لا تحتمل التأجيل أو المساومة.
لكن ما يُضفي على هذه الزيارة بُعداً إضافياً هو شخصية من يحملها. فالدكتور جعفر حسان لا يزور العاصمة واشنطن بوصفه مجرد رئيس وزراء، بل بوصفه رجل دولة مطلع على تفاصيل عمل الإدارة الأميركية، وتشريعات الكونغرس، ومزاج غرف التفكير في واشنطن. فالرجل بدأ مسيرته الدبلوماسية في السفارة الأردنية هناك، ثم انتقل ليقود لسنوات دائرة الشؤون الدولية في الديوان الملكي الهاشمي، وبعدها شغل موقع وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومات متعددة، قبل أن يُكلّف بإدارة مكتب جلالة الملك عبدالله الثاني لسبع سنوات على فترتين وليس عام أو عامين فخبرته مختلفة عن أي رئيس وزراء، فكان مطلع على الملفات الداخلية والدولية في غرف صنع القرار، في مراحل شهدت واحدة من أعقد لحظات الإقليم والعالم من الربيع العربي إلى الحرب على الارهاب إلى التقلبات في الاقليم والحرب الاخيرة على غزة وغيرها من الملفات المحلية.
هذه الخلفية تجعل من الزيارة أكثر من لقاءات بروتوكولية؛ إنها اشتباك مباشر مع ملفات اقتصادية كبرى، وتفاوض استراتيجي على مصالح وطنية، وتثبيت لموقع الأردن في خارطة المصالح الأميركية وسط إقليم مضطرب.
في مقدمة الملفات التي يحملها رئيس الوزراء، يبرز ملف التعرفة الجمركية الأميركية التي فُرضت مؤخراً على عدد من السلع الأردنية بنسبة 20%، ما ألحق ضرراً مباشراً بالصادرات الأردنية وقلقاً في أوساط المستثمرين. هذا الإجراء، وإن بدا فنياً أو تجارياً في ظاهره، إلا أنه يعكس تحولاً في أولويات واشنطن بعد إعادة التموضع الاقتصادي العالمي، وهو ما يتطلب خطاباً أردنياً مختلفاً، يدافع عن مصالح الصناعة الأردنية، ويعيد تذكير الشريك الأميركي بأن الأردن ليس مجرد سوق بل شريك استراتيجي وثابت في منطقة شديدة التقلب.
ويترافق مع هذا الملف، ملف المساعدات الأميركية، التي تمثل ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الأردني، لا سيما عبر “USAID” التي تم تقليص نشاطها مؤخراً. هذا التقليص لم يكن فنياً فحسب، بل جاء في إطار أولويات داخلية أميركية انعكست على سياسات التمويل الخارجي، وهو ما يستدعي إعادة بناء سردية أردنية تقوم على الشراكة والمسؤولية، لا على تلقي الدعم بمعزل عن الأثر المتبادل.
لكن ما يميّز هذه الزيارة ليس فقط حساسية الملفات، بل نهج الرجل في إدارتها. فمنذ اليوم الأول لتكليفه، بدا واضحاً أن الدكتور جعفر حسان لا يؤمن بتأجيل الملفات ولا بمناورة الوقت. فتح الملفات المؤجلة، حرّك ما جُمّد، اشتبك مع القضايا من موقع الفعل لا الترقب. حضوره الميداني، إشرافه المباشر على محاور الإصلاح الإداري والخدمي، وتكليفه للوزراء بآليات متابعة ملموسة؛ كلها رسائل تقول إننا أمام رئيس وزراء يُعيد تعريف طريقة الإدارة العامة بما يوجه به دوما جلالة الملك.
وهذا النهج لا ينفصل عن توجه الحكومة في إعادة بناء الثقة. فبدلاً من الخطابات العمومية، كانت هناك برامج تنفيذية؛ وبدلاً من الشعارات، قرارات عملية بدأت تترك أثراً في الملفات الخدمية، والإدارية، وحتى الاقتصادية. واليوم، تنتقل هذه الروح من الداخل إلى الخارج، لتُستثمر في واحدة من أدق المهمات التي تواجه الدولة الأردنية خارجياً.
وفي هذا التوقيت تحديداً، يبدو أن الأردن قرر أن لا ينتظر النتائج، بل يذهب ليصنعها. يذهب بموقف، وبرؤية، وبملفات مُجهزة، يفتح بها أبواب الحوار مع واشنطن، لا من موقع الطلب، بل من موقع الشريك الحاضر، الذي يعرف قيمته، ويُحسن عرض مصالحه.
لكن التحدي الأكبر لا يقف عند حدود الزيارة، بل يبدأ بعدها. فالمطلوب اليوم ليس فقط فتح قنوات، بل ترجمة اللقاءات والاتفاقات إلى مكاسب اقتصادية ملموسة يشعر بها المواطن الأردني، ويثق عبرها أن الاشتباك السياسي والدبلوماسي يصب في مصلحته المباشرة. المسؤولية الآن على الحكومة أن تتابع، وتنفذ، وتُحوّل هذه الجهود إلى أثر واقعي في عمّان والطفيلة ومعان وإربد، وفي كل مكان ينتظر فيه الأردني نتيجةً لجهد الدولة.
مدار الساعة ـ