القدوة والنموذج هما الوسيلة الأهم في عملية التربية على الصعيد الفردي والجماعي؛ لذلك أرسل الله تعالى الأنبياء، ليُشكل وجودُهم بين مجتمعاتهم قدوة ونموذجا يحتذى به، ولم يرسل لنا التعليمات والكتب فقط، وليس معنى الكلام أن الله محتاج لهم أو لغيرهم، ولكنه يعلمنا أن الكون الذي نعيش فيه مبني على الأسباب والمسبَّبات، ومتى وجدت الأسباب وجدت المسبَّبات عادة.
فالأنبياء كانوا النموذج الأول في حياة الناس، ثم جاء أصحابهم من بعدهم ممّن اتبع هداهم، وهكذا لينتهي الأمر بأهل العلم والفضل والأخلاق الرفيعة. ولا شك أننا في مجتمعاتنا العربية نفتقد بشكل كبير إلى القدوة الحسنة التي تساهم في بناء المجتمع ورقيّه، ولكن في الوقت نفسه نجد فائضا من القدوات السيئة حولنا. والقدوة تبدأ في المنزل والأسرة، فعندما يرى الأولاد أباهم يرمي القاذورات من سيارته إلى الشارع، ولا يلتزم بقواعد السير في الطرقات، سيعزز بسلوكه هذا –كقدوة سيئة- شعور اللامبالاة عند الأطفال بمسألة النظافة، وكذلك يعزز عندهم عدم احترام الأنظمة والقوانين. إذن لا يمكن أن يخلوَ المجتمع من قدوة، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، إن لم يجد الناس القدوة الحسنة، سيجتمعون مع قدوة سيئة.
وكذلك المعلم في مدرسته، هو قبل أن يكون معلما وشارحا، هو قدوة ونموذج يتأثر به الطلاب إلى حد كبير، وقد يرسم مراحل حياتهم المقبلة إلى الوفاة. وهنا ينبغي على المربي أن يراقب ألفاظه، وتصرفاته أمام الطلاب ليشكل لهم قدوة حسنة، كما عليه أن يزرع في قلوبهم حب الدين والأخلاق، ويعزز الولاء والانتماء للوطن وترابه.
أما من جانب الأسلوب، فنجد فريقا من الآباء والمعلمين والدعاة، يمارسون القمع للآخر، مما يجعلهم قدوة سيئة للمقموع، حيث سيرث هذا الأسلوب من هؤلاء، وتكون نتيجة النماذج القمعية السيئة، أنها تفرّخ وتنتج أجيالا قمعية مثلها. وهكذا يكون المجتمع عبارة عن جلادين كانوا ضحايا، وضحايا يربون ليكونوا جلادين.
ومثل هذا يقال في كل مسؤول، أو صاحب منصب أو رتبة في مكانه، هو قدوة لمن هم تحت ولايته، فإذا كان نشيطا يعمل بجد واجتهاد، ويضع مصلحة الوطن والمواطن نصب عينيه، ويحافظ على المال العام، ويحترم جميع الناس، ويؤدي واجباته بأمانة واحتراف، سيجد معظم من حوله مثله، والعكس بالعكس، فأثر المسؤول على من هم دونه كبير جدا، لا يصح أن يُغفل أو يُجهل.
وكذلك على الإعلاميين أن يحرصوا على تقديم القدوة الحسنة من خلال ذواتهم وأعمالهم، لأنّ الإعلام سلطة تتحكم في عقول الناس، وسلوكهم.
الدستور