في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة، تتصدر المملكة الأردنية الهاشمية واجهة الدول العربية الداعمة للشعب الفلسطيني، موقفًا وإنسانًا، قولًا وفعلاً. هذا الدور لم يكن يومًا موسميًا أو مؤقتًا، بل هو امتداد تاريخي لعلاقة عضوية لا تنفصم بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وبين القيادة الهاشمية التي لطالما كانت السند والداعم للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وفي الميدان الإنساني والطبي والإغاثي.
لكن، وبينما يمضي الأردن في أداء دوره الإنساني والسياسي بمهنية عالية ووفق أطر القانون الدولي، تبرز محاولات مشبوهة من بعض المجموعات في الداخل، تسعى إلى توظيف قضية غزة كغطاء لإحداث فوضى داخلية وبلبلة سياسية وأمنية. هذه المحاولات وإن بدت في ظاهرها غاضبة من أجل غزة، إلا أن باطنها يحمل أجندات خاصة لا علاقة لها بالقضية، بل تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي والتشكيك بمواقف الدولة الأردنية الرسمية.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، اتخذ الأردن موقفًا واضحًا وثابتًا، ترجمته القيادة الأردنية وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، في كافة المحافل الدولية. كانت رسالة الأردن واضحة: وقف العدوان، حماية المدنيين، إيصال المساعدات الإنسانية، والعمل على إنهاء الاحتلال كجذر رئيسي للصراع. هذا الموقف لم يقتصر على الخطاب السياسي، بل تفعّل على الأرض من خلال إرسال المساعدات الطبية والغذائية، واستقبال الجرحى من قطاع غزة في المستشفيات الأردنية، والمشاركة الفاعلة في المبادرات الدولية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، يصبح من الضروري الحفاظ على الجبهة الداخلية الأردنية مستقرة وآمنة، لأن استقرار الأردن هو ركيزة أساسية في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته. فالمتربصون لا يريدون نصرة غزة بقدر ما يسعون إلى استغلالها ذريعة للفوضى والاحتكاك مع مؤسسات الدولة وأجهزتها، ما يخدم فقط أجندات خارجية ومصالح ضيقة لا تعنيها لا غزة ولا فلسطين.
القوة الحقيقية للأردن تنبع من تماسك جبهته الداخلية، ومن الالتفاف الشعبي حول القيادة الهاشمية، ومن الثقة بالمؤسسات الأمنية والقوات المسلحة التي تحمي الوطن من كل خطر، داخلي كان أو خارجي. تلك الأجهزة التي تقدم دورًا وطنيًا في ضبط الأمن وحماية المواطنين، وتعمل جنبًا إلى جنب مع الجهات الإنسانية في دعم الأشقاء الفلسطينيين.
ليس هناك دولة أقرب إلى فلسطين من الأردن، لا جغرافيًا فحسب، بل وجدانيًا وتاريخيًا وسياسيًا. كل من يحاول المزايدة على الموقف الأردني، أو تصويره على أنه مقصر أو متردد، يتجاهل عقودًا من الدعم المستمر والتضحيات الجسام. الأردن لا يزايد على الدم الفلسطيني، بل يحميه بكل الوسائل الممكنة، ويدرك بحكمة قيادته أن دعم غزة لا يكون بإشعال الداخل، بل بتقويته وتحويله إلى جبهة دعم صلبة، لا ثغرة فيها.
المرحلة تتطلب وعيًا شعبيًا ونخبويًا، وتمييزًا بين الغضب الصادق والنوايا المشبوهة. فالغضب على ما يجري في غزة مشروع، لكن توجيهه يجب أن يكون في الاتجاه الصحيح، لا بتحطيم الداخل أو استنزاف الدولة التي تقف وحدها – وبشرف – في الميدان العربي والدولي من أجل فلسطين.
ليظل الأردن قويًا، داعمًا، راسخًا، لا بد من الالتفاف حول جلالة الملك عبدالله الثاني، وتحصين الجبهة الداخلية، والوقوف صفًا واحدًا خلف مؤسسات الدولة، لأن بقاء الأردن قويًا هو ضمانة لفلسطين، ولغزة، ولكل العرب الأحرار.