اكثر من ٣٠ عاماً وانا أتابع وأغطي صحافياً واعلامياً الملف الاسرائيلي وعن كثب بفضل اللغة العبرية التي درستها في الجامعة واصبحت اليوم أفكر بها اكثر من لغتي الام العربية ، بحياتي المهنية لم ار الشارع الاسرائيلي منقسم على نفسه كما رأيته قبل ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ مع تظاهرات" الانقلاب القضائي" ، وكما أراه اليوم بعد مضي عام ونصف على حرب الإبادة الجماعية في غزة، "إسرائيل" عادت اليوم فعليا لما كانت عليه قبل ٧ اكتوبر ، بدأت حالات وعرائض رفض الخدمة العسكرية لجنود الاحتياط ، ولطياري سلاح الجو الاسرائيلي تعود من جديد مع اصرار حكومة نتنياهو الأكثر يمينية وتطرفا على مواصلة الحرب في غزة ، والمضي قدماً بتطبيق " التعديلات القضائية" التي قسمت الشارع الاسرائيلي.
تشهد "إسرائيل" اليوم حالة غير مسبوقة ابداً في تاريخ الدولة العبرية يتواجه فيها رئيس الوزراء الاسرائيلي رأساً برأس مع مدير مخابراته " الشاباك " ، ومع المستشارة القضائية للحكومة التي وقفت امام قرار نتنياهو باقالة رونين بار ، رئيس الشاباك الحالي والذي فزع لنصرته رئيس الشاباك الأسبق يورام كوهين ، والفيصل بين الطرفين هي محكمة العدل العليا الاسرائيلية التي بدأت بالأمس النظر بقرار نتنياهو اقالة بار في جلسة ماراثونية تواصلت طوال النهار قررت فيها المحكمة تاجيل البت بالقرار لما بعد عيد الفصح اليهودي الأسبوع المقبل، وسط سيناريوهات وتوقعات ان ترفض المحكمة قرار نتنياهو اقالة بار بعد تفاعل ملف ما يسمى اسرائيليا قضية " قطرغيت " والأموال القطرية التي يتورط بها موظفي ومستشاري مكتب نتنياهو ، وهناك احتمال كبير ان ترفض الحكومة قرار المحكمة العليا في سابقة قد تدفع ملايين الاسرائيليين إلى الشوارع .
تعقيدات الشارع الاسرائيلي هذه الايام كثيرة، مع سخط عائلات الاسرى الاسرائيليين لدى حماس والذين تبقى منهم لليوم ٥٩ أسيرا بين حي وميت ، بعد استئناف نتنياهو وجيشه الحرب في غزة ، واليوم يتفاعل الاسرائيليون بدرجة كبيرة مع هذا الملف خصوصاً وان الأسيرات والاسرى المحررين من غزة باتوا يشاركون تجاربهم بالأسر ويكتبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويجرون مقابلات اذاعية وتلفزيونية تهز مشاعر الاسرائيليين ويحملون نتنياهو وحكومته مسؤولية ما عانوه في الأسر بعد ان تخلت عنهم لأشهر كثيرة وها هي اليوم تهدد حياة من تبقوا احياء من الاسرى في غزة ، مما اثار حفيظة اليمين الاسرائيلي المتطرف وانصار نتنياهو " البيبيون - نسبة لكنية نتنياهو بيبي - واصبحوا يشنون عليهم حملات منظمة عبر منصة اكس والفيسبوك والانستغرام ويتهمونهم بالخيانة ، وباتت كلمة "خيانة" تجتاح اليوم " التايم لاين " الاسرائيلي ، وهي الكلمة التي قادت إلى اغتيال رئيس الوزراء رابين في تسعينيات القرن الماضي .
اخيراً وليس اخراً ، ومن عين المراقب عن كثب، ارى ان نتنياهو بات يقود إسرائيل والإسرائيليين نحو الهاوية ، واصبحت المعارضة الاسرائيلية على قناعة تامة اليوم انه لن تستطيع الإطاحة بنتنياهو إلا في الانتخابات المقبلة في نوفمبر ٢٠٢٦ ، نتنياهو الذي استحوذ على السلطة في "إسرائيل" قبل ١٨ عاماً بفضل تسلحه بقوة المستوطنين واليمين المسيحياني المتطرف بات اليوم يشكل كابوساً للإسرائيليين الذين اخذ الالاف منهم يشقون طريقهم للخارج ويهاجرون وينقلون اشغالهم وتجارتهم لبرلين والبرتغال وتايلند ، اكثر من ٨٥ الف اسرائيلي هاجروا للخارج منذ اكتوبر ٢٠٢٣