والمقصود بالسادس من أكتوبر هي حرب "أكتوبر" 1973 التي دارت بين مصر وسوريا أساساً من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، أما السابع من أكتوبر فالمقصود بها معركة "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية (مُمثّلة في حماس بالدرجة الأولى) ضد إسرائيل في عام 2023.
إنّ المحلل المتأمل حين يسترجع الحربين يجد أنّ ثمة "مشتركات" و "مفارقات" تستأهل التوقف عندها ففيما يتعلق "بالمشتركات":
أولاً: انطوت كلا الحربيين على تخطيط عربي جيد من حيث الإعداد للمعركة، وتوقيتها (كانت الأولى في يوم "الغفران" اليهودي، وكانت الثانية في يوم السبت اليهودي كذلك)، واستثمار عنصر "المفاجأة"، وقد بلغ الأمر من حُسن الإعداد والتخطيط المحكم أن القوات المصرية استطاعت عبور قناة السويس، وتدمير خط "بارليف" المُحصّن، كما استطاع الجيش السوري اجتياح الخطوط الإسرائيلية والوصول إلى مياه بحيرة طبريا. صحيح أن الأمور بدأت تتغير في اليوم السادس عشر لنشوب الحرب بفضل الدعم الأمريكي لإسرائيل، الأمر الذي مكنها من إحداث "ثغرة الدفرسوار" ومحاصرة الجيش المصري الثالث، ولكن هذا لا يقلل من ميزة التخطيط المُوفق للمعركة الذي مارسه العرب ربما لأول مرة في تاريخهم الحديث.
ثانياً: انطوت كلا الحربين على فشل استخباري إسرائيلي مدوِ فقد فُوجئت إسرائيل بالحرب في عام 1973، وكذلك في عام 2023 رغم تفوق أجهزتها الاستخبارية (الموساد، الشاباك، شعبة الاستخبارات العسكرية وغيرها) وتعاونها الوثيق مع الأجهزة الاستخبارية الغربية المتقدمة، والواقع أن إسرائيل وفي كلا الحربين -كانت لديها المؤشرات الواضحة بإمكانية نشوب الحرب- ولكن أصابها الغرور واعتقدت أن العرب لا يمكنهم المساس بإسرائيل بعد هزيمتهم الساحقة في عام 1967، كما استكانت لفكرة أن المقاومة الفلسطينية (حماس أساساً) لا يمكنها أن تجرؤ على شن هجوم كاسح ومفاجئ وبأساليب مُبتكرة على الداخل الإسرائيلي في عام 2023.
ثالثاً: كانت القضية الفلسطينية هي أساس الصراع في كلا الحربين ففي 1973 أَمِل العرب في "محو آثار العدوان" الذي قامت به إسرائيل واحتلت بعده أراضي ثلاث دول عربية (مصر، سوريا، الأردن)، وغني عن القول إن خلفيات هذه الحرب (1973) وسابقتها (1967) كانت عائدة إلى قيام إسرائيل (1948) كدولة، على حساب الشعب الفلسطيني وما ترتب عليه، وأما أحداث السابع من أكتوبر فقد جاءَت على خلفية حصار إسرائيل لقطاع غزة لمدة تزيد عن ست عشرة سنة، وذلك فضلاً عن الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، وتعذيب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
رابعاً: الدعم الغربي الهائل والحاسم لإسرائيل فقد أيقنت إسرائيل بالهزيمة بعد مفاجأتها بالحرب في عام 1973واستنجدت مرعوبة بالحليف الأمريكي الذي فتح لها جميع مخازن السلاح فضلاً عن تزويدها بالمعلومات المهمة التي مكنتها من إحداث ثغرة "الدفرسوار" على الجبهة المصرية، وأما في السابع من أكتوبر (2023) فقد زودت الولايات المتحدة إسرائيل بما يزيد عن (50.000) طن من الذخائر، ناهيك عن دعم الدول الغربية الأخرى مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا (المزود الثاني لإسرائيل بالأسلحة بعد أمريكا) وإلى درجة أن "ريشي سوناك" رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت جاء في زيارة دعم لإسرائيل وهو يحمل الأسلحة في طائرته!، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأنه لولا هذا الدعم الغربي الهائل والحاسم لإسرائيل في كلا الحربين لكانت إسرائيل واجهت هزيمة مُنكرة.
خامساً: انطوت كلا الحربين على نتائج استراتيجية بعيدة المدى فقد تم على أثر السادس من أكتوبر ورغم الانتصارات المشهودة للقوات العربية في بدايات الحرب عقد اتفاقية كامب ديفيد 1979 والتي عنت واقعياً إخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، كما عقدت سوريا معاهدة فك اشتباك مع إسرائيل في عام 1974 والتي عنت واقعياً بقاء الجولان السوري محتلاً حتى الآن وذلك فضلاً عمّا حصل بعد ذلك من اجتياح لبيروت في عام 1982 واحتلال أول عاصمة عربية بعد قيام إسرائيل، وأما بعد السابع من أكتوبر ورغم النجاح المُبهر لقوات المقاومة التي استطاعت اختراق الحدود الإسرائيلية، وتحييد "فرقة غزة"، وتدمير المستوطنات الحدودية والإسرائيلية، فقد استطاعت إسرائيل تدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، كما استطاعت الحد من قوة "حزب الله"، ودفعه إلى شمال الليطاني، كما استطاعت استثمار سقوط النظام السوري السابق لكي تدمر بقية مقدرات الجيش السوري، بل وأن تحتل المنطقة منزوعة السلاح بينها وبين سوريا، وذلك بالإضافة إلى فرض حالة "نزع سلاح" على جنوب سوريا (محافظات القنيطرة، ودرعا، والسويداء).
وأما فيما يتعلق "بالمفارقات" فقد كان هناك العديد منها:
أولاً: أن حرب السادس من أكتوبر 1973 كانت حرب دول (مصر، سوريا، ولاحقاً الأردن) ضد إسرائيل، أما حرب السابع من أكتوبر 2023 فقد كانت حرب "منظمات" أو "جماعات" أو "أحزاب" ضد إسرائيل فالمنظمة التي قامت بالمبادرة هي "حماس"، والتي قامت بالإسناد هي "حزب الله" في لبنان، و"أنصار الله" الحوثين في اليمن، وقد كان واضحاً أن الدول العربية لم تدخل الحرب رسمياً ولم تشارك بها.
ثانياً: أن حرب السادس من أكتوبر 1973 كانت حرب "تحريك" لأوضاع "اللا سلم واللا حرب" التي كانت سائدة آنذاك، ولذا وبرغم غزارة النار وحدوث "العبور" إلا أنها كانت حرباً "تكتيكية" في أهدافها كما أتضح لاحقاً، أمّا حرب السابع من أكتوبر 2023 فقد كانت حرباً استراتيجية إذْ رمت المقاومة الفلسطينية إلى هز "نظرية الردع الإسرائيلية"، وإشعار المواطن الفلسطيني والعربي بأنّ إسرائيل ليست "تلك القوة التي لا تُقهر"، كما رمت إلى استعادة أهمية القضية الفلسطينية وطرحها بقوة على طاولة العالم.
ثالثاً: جرت حرب السادس من أكتوبر 1973 في ظل توازن قُوى دولي (الولايات المتحدة في مقابل الاتحاد السوفياتي) حيث كانت الولايات المتحدة كما هو معروف إلى جانب إسرائيل، كما كان الاتحاد السوفياتي إلى جانب الدول العربية، وأما في السابع من أكتوبر 2023 فقد نشبت في ظل "اختلال موازين القوى" العالمية وتفرد الولايات المتحدة كقطب أوحد يتربع على عرش العالم بغض النظر عن وجود بعض الأقطاب المهمة الأخرى كروسيا، والصن، والهند، وغيرها.
إن التأمل في حربي السادس من أكتوبر 1973 والسابع من أكتوبر 2023 يمكننا من الخروج بدروس كثيرة مهمة قد لا يتسع المقام للإحاطة بها جميعاً، ولكن لعلّ ما أشرنا إليه هو من أهم -إن لم يكن أهم- هذه الدروس المُتحصّلة من المشاركات والمفارقات!