مدار الساعة - السؤال:
ما حكم السهر بعد صلاة العشاء على مقاطع دينية؛ بنية الاستفادة، وتهذيب النفس بسماع الموعظة، وأيضاً لإعادة نشر هذه المقاطع على حسابي للأجر وبنية صدقة جارية؟ وهذا الوقت الذي يمضي هل يعتبر قياما لليل، بما أني قد قرأت قيام الليل ليس محصوراً بالصلاة، وإنما بقراءة القرآن، وبذكر الله سبحانه أيضاً؟ الجواب: الحمد لله.
أولاً:
عن أبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا" رواه البخاري (568)، ومسلم (647).
ثانياً :
يجوز السهر بعد صلاة العشاء لطلب العلم كالاستماع إلى المواعظ المفيدة، ونشرها للدعوة، بشرط ألا يترتب على ذلك ضياع واجب، كضياع صلاة الفجر في وقتها، ومع الجماعة للرجال.
قال الإمام النووي رحمه الله: "قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه؛ وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف، والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس، والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه" "شرح النووي على مسلم" (5/ 146).
ثالثاً:
إحياء الليل بالقرآن والذكر له فضله، ولكن ليس هو من قيام الليل؛ فقيام الليل خاص بالصلاة. فإذا استيقظ ليلا ، فينبغي أن يصلي شيئا من قيام الليل ، فإن لم يفعل فإنه يقرأ القرآن ويذكر الله تعالي .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عمن يحفظ القرآن: أيما أفضل له؛ تلاوة القرآن، أو التسبيح، وما عداه من الاستغفار والأذكار؟
فأجاب: "...وأما إذا قام من الليل، فالقراءة له أفضل إن أطاقها، وإلا فليعمل ما يطيق، والصلاة أفضل منهما، ولهذا نقلهم عند نسخ وجوب قيام الليل إلى القراءة، فقال: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية [المزمل/ 20]. والله أعلم. انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/60).
ثم سماع الموعظة، وإن كان في خير ونفع؛ إلا أنه أدنى من ذلك كله. ونخشى أن يكون في الانشغال به في مثل هذا الوقت، نوعا من الكسل عن الطاعة الفاضلة، أو صرفا من الشيطان عن العمل المراد لنفسه، إلى الموعظة التي تراد إلى التهييج إلى العمل؛ فإذا شغل وقت "العمل بها"، كان من اشتغل بالوسواس في الطهارة، أو تحري القبلة، ونحو ذلك؛ حتى فاته وقت الصلاة!!
فليكن شغلك في قيامك بالصلاة والذكر والدعاء، وكثرة التضرع إلى الله، والافتقار إليه. وأما الموعظة وسماعها، فلتكن في وقت آخر من نهارك، أو ليلك، سوى وقت عبادتك، وتهجدك.
والله أعلم.