يواجه الأردن اليوم تحديات اقتصادية غير مسبوقة، زادت حدتها بعد تعليق المساعدات الأميركية للمملكة، مما يفرض على الجميع—أفرادًا ومؤسسات—تحمل مسؤولياتهم تجاه الوطن. وهنا يبرز دور الشركات الكبرى، أصحاب رؤوس الأموال، والبنوك، ليس فقط ككيانات اقتصادية تستفيد من السوق الأردني، بل كأطراف فاعلة قادرة على دعم الاستقرار والتنمية من خلال ممارسات مسؤولة تعكس التزامها بالمجتمع الذي تنتمي إليه.
إن المسؤولية المجتمعية الآن لم تعد مجرد خيار أخلاقي أو وسيلة لتحسين الصورة المؤسسية، بل أصبحت ضرورة اقتصادية ووطنية. فمع انقطاع جزء مهم من التمويل الخارجي، تجد الدولة نفسها أمام تحديات مالية تتطلب تكاتف القطاع الخاص لسد الفجوة، سواء عبر دعم المشاريع التنموية، تعزيز التشغيل، أو الاستثمار في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والطاقة. لكن الأثر لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى استقرار البلاد السياسي والاجتماعي.
ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، يصبح الاستقرار السياسي والاجتماعي على المحك، إذ أن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة يمكن أن يؤديان إلى تصاعد التوترات الاجتماعية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على المناخ العام للدولة. وهنا يأتي دور القطاع الخاص في سد الفجوات الاقتصادية وتعزيز التماسك الوطني عبر المساهمة في تخفيف الضغوط الاقتصادية عن المواطنين، مما يقلل فرص الاحتقان الشعبي ويعزز ثقة الناس بمؤسسات الدولة.
من هنا تصبح الاستثمارات المحلية وخلق فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة ليست مجرد إجراءات اقتصادية، بل هي خطوات تعزز الاستقرار السياسي، وتحد من مخاطر التأثيرات الخارجية التي قد تستغل الأوضاع الاقتصادية لإحداث اضطرابات داخلية. كما أن تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص يعكس نموذجًا ناجحًا للتعاون الوطني، ما يعزز ثقة المواطن في الدولة وقدرتها على مواجهة التحديات.
وقد يتساءل البعض ماذا يمكن أن تفعل الشركات والبنوك؟ إليكم بعض الأمثلة..
أولا: الاستثمار في الاقتصاد الوطني: يمكن لأصحاب رؤوس الأموال ضخ استثمارات جديدة في مشاريع محلية، خاصة في القطاعات الإنتاجية والصناعات التي تقلل من الاعتماد على الاستيراد وتخلق فرص عمل للأردنيات والأردنيين.
ثانيا: تعزيز التوظيف وتحسين بيئة العمل: يجب على الشركات تبني سياسات تشغيل مسؤولة، توفر فرص عمل عادلة ومستدامة، خصوصًا للنساء والشباب، وتعزز معايير الأجور العادلة والتأمينات الاجتماعية، مما يقلل من التوترات الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثا: دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة: تحتاج الشركات الكبرى والبنوك إلى تمويل ودعم المشاريع الريادية، سواء من خلال برامج القروض الميسرة أو الحاضنات الاقتصادية، لتعزيز بيئة الأعمال وخلق جيل جديد من المستثمرين المحليين، وهو ما يحد من البطالة ويعزز الطبقة الوسطى، التي تعدّ صمام الأمان للاستقرار السياسي.
رابعا: المشاركة في التنمية المجتمعية: يمكن للشركات المساهمة في تطوير البنية التحتية والخدمات العامة، من خلال دعم التعليم المهني والتقني، تمويل المستشفيات والمراكز الصحية، والمشاركة في برامج الطاقة المتجددة والمياه، مما يخفف العبء على الحكومة ويوفر بيئة أكثر استقرارًا.
خامسا: توسيع الشراكة مع الحكومة والمجتمع المدني: يجب على القطاع الخاص العمل بتنسيق أكبر مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لضمان أن مساهماته تحقق الأثر المطلوب وتستجيب لأولويات المرحلة الحالية، ما يعزز من التماسك الوطني ويحول دون استغلال الأزمات الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.
هذه بعض الأفكار التي يمكن للقطاع الخاص المساهمة عبرها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد خلال المرحلة الصعبة التي نمرّ بها، وبالطبع هناك المزيد من الأفكار والتصورات. ولكن المهم انه لم يعد مقبولًا أن يُنظر إلى المسؤولية المجتمعية كأنشطة خيرية أو مساهمات موسمية.
فالمطلوب اليوم هو نموذج جديد يقوم على دمج المسؤولية الاجتماعية في استراتيجيات الشركات بحيث تصبح جزءًا من عملياتها الأساسية، لا مجرد مبادرات جانبية. فكل استثمار وكل فرصة عمل يتم توفيرها وكل دعم لقطاع حيوي هو استثمار في استقرار الأردن السياسي قبل أن يكون مساهمة اقتصادية.
ختامًا، إن التحديات التي يواجهها الأردن اليوم تحتاج إلى تكاتف الجميع، والقطاع الخاص لديه من الموارد والإمكانات ما يجعله شريكًا رئيسيًا في الحل. فالوطن الذي احتضن هذه الشركات ووفّر لها البيئة المناسبة للنمو، يحتاج اليوم إلى وقوفها بجانبه، ليس فقط وفاءً له، بل لضمان استقرار الأسواق، وتعزيز النمو المستدام، وحماية الأردن من أي ضغوطات سياسية خارجية قد تستغل الأزمة الاقتصادية لتحقيق أهداف لا تخدممصلحةالوطن.