أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطاح يكتب: الملامح المستقبلية لسوريا الجديدة


د. أحمد بطّاح

بطاح يكتب: الملامح المستقبلية لسوريا الجديدة

مدار الساعة ـ
إنّ مما لا شك فيه أن الجمهورية العربية السورية تمر بمرحلة "مُخاض" الآن، فثمة نظام سياسي جديد "يتخلّق" فيها في ظل ظروف محلية، وإقليمية، ودولية معقدة، لذا فإنه ليس من السهل أن يتنبأ المرء بالملامح المستقبلية لسوريا الجديدة، ولكن هناك عدد من الملامح التي بدأت تبرز بوضوح، ويبدو أنها سوف تكون هي الخصائص المميزة للدولة السورية المتبلورة ببطء، ولعل من أهمها:
أولاً: أن سوريا سوف تسير باتجاه تطوير علاقات متوازنة على كل الصُعد مع الولايات المتحدة والغرب من جهة، ومع روسيا والصين وبقية الدول المتحالفة معها من جهة أخرى، ولعلّ الواقع على الأرض السورية الآن يفرض مثل هذا التوجه فهناك قوات أمريكية على الأرض السورية (قاعده التنف في شمال شرق سوريا) حالياً، فضلاً عن النفوذ الأمريكي على منظمة "قسد" السورية الكردية، وعن العقوبات الأمريكية (وبالذات قانون " قيصر") المفروض على سوريا، ومن الناحية الأخرى فهناك قاعدتان روسيتان (طرطوس البحرية وحميميم الجوية) في سوريا، ولذا فإن القيادة السورية مُلزمة بأن تُبقي على علاقات متوازنة مع القوتين العظميين.
ثانياً: أن سوريا سوف تتموضع إقليمياً باتجاه مختلف، والواقع أن هذا بدأ جلياً منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة السورية فالقوات الإيرانية والمليشيات المتحالفة معها انسحبت من سوريا، وبالمقابل كان واضحاً تماماً مدى التنسيق بين القيادة السورية الجديدة والجمهورية التركية، وقد كان مدير المخابرات التركية هو أول مسؤول أجنبي يزور سوريا تَبِعه بعد ذلك وزير الخارجية، كما أن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع قام بزيارة رسمية إلى تركيا. إنّ الحقيقة هي أن سوريا قد تحالفت مع إيران منذ قيام ثورتها في عام 1979 وبالمقابل كانت علاقتها مع تركيا متأرجحة بل عدائية أحياناً، ولكن الأمور الآن تسير بالاتجاه المعاكس إذْ تتحالف سوريا مع تركيا ولا يُتوقع أن تكون علاقتها مُستقبلا أكثر من" طبيعية" مع إيران!
ثالثاً: أنّ سوريا سوف تبني علاقات مختلفة نوعاً ما مع جاراتها العربيات (لبنان، العراق، الأردن) ففيما يتعلق بلبنان من المُرجح أن تبني سوريا علاقات طبيعية معه بعد أن هيمنت فعلياً عليه لعقود، وبعد أن كان النظام السابق يتحالف مع "حزب الله" القوي فيه، أما فيما يتعلق بالعراق فمن المُرجح أن تكون العلاقات السورية معه ليست سهلة بحكم الاختلاف المذهبي بين قيادتي البلدين، وللنفوذ القوى لفصائل "الحشد الشعبي" العراقي المدعومة إيرانياً، والتي كانت متحالفة مع النظام السابق، أما بالنسبة للأردن فمن المُتوقع أن تكون العلاقات السورية معه "جيدة" و "عملية" وبخاصة أن الأردن عانى من "المخدرات" التي كانت تغزوه من الداخل السوري، فضلاً عن بعض الميليشيات المتطرفة التي كانت (وما زال بعضها) تنشط على حدوده الشمالية.
رابعاً: أنّ سوريا سوف تبني نظاماً سياسياً منفتحاً نسبياً هو أقرب ما يكون إلى النظام السياسي التركي، وذلك بحكم الإرث الاستبدادي الثقيل للنظام البوليسي السابق، وبحكم ضغوط الدول الغربية على سوريا والتي تحث -تحت طائلة عدم رفع العقوبات- القيادة الجديدة على تبني نظام سياسي ليبرالي ديمقراطي يتبنى حقوق الإنسان ويُعلي من شأن القانون ودولة المؤسسات، وهذا يعني حتماً نهاية حقبة "الحزب الطليعي" الذي كان يمثله حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم الحياة السياسية السورية (ولو نظرياً) منذ عام 1963، وبعبارة أخرى فلن يكون هناك حزب " قائد" في سوريا الجديدة بل سوف يتم -على الأرجح- فتح الحياة السياسية للتجمعات والأحزاب والتيارات السياسية المختلفة تحت مظلة الدستور الذي سوف يتم وضعه لاحقاً (بعد فتره الدستور المؤقت الذي تم التصديق عليه فعلياً).
خامساً: أن سوريا الجديدة سوف تتبنى نظاماً اقتصادياً حراً أو رأسمالياً بعد أن تبنت النظام الاقتصادي الاشتراكي منذ سيطرة حزب البعث على البلاد، ومرهً أخرى فإن الواقع يفرض على القيادة السورية الجديدة هذا الخيار الاقتصادي، فالبلاد شبه مُدمّرة، وبحاجة ماسة إلى الإعمار، كما أنها بحاجة إلى إعادة "تسكين" شعبها (أكثر من 5 ملايين لاجئ خارج البلاد، وأكثر من 10 ملايين نازح داخل البلاد) الأمر الذي يعني الحاجة الماسة إلى رأس المال، وإلى الاستثمار وكل هذا لا يمكن أن يتم بنجاح في ظل سيطرة الدولة على كل شيء (وفقاً للفلسفة الاشتراكية) بل يمكن أن يتم في ضوء استقطاب الاستثمارات الأجنبية، والسماح لرأس المال المحلي والأجنبي بالتحرك بحرية، وإعطاء القطاع الخاص فرصته للمساهمة في "حلحلة" مشكلات البلاد الاقتصادية العالقة.
هل هذه كل ملامح الدولة السورية الجديدة؟ بالطبع لا فثمّة ملامح كثيرة يمكن رصدها ولكن لعلّ ما ذكرناه باختصار وفي عجالة تشكل أهم الملامح المميزة لسوريا الجديدة التي نرجو لها النجاح والتوفيق بعد أن ضاقت ما ضاقته من آلام وحرمان ومعاناة.
مدار الساعة ـ