أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

العموش تكتب: رمضان بين سيدني والخليج… لكن الحنين دائمًا إلى عمّان


م. هنادي العموش

العموش تكتب: رمضان بين سيدني والخليج… لكن الحنين دائمًا إلى عمّان

مدار الساعة ـ
ثمانية عشر عامًا في الغربة… عشر سنوات في سيدني، ثم ثمانٍ في الخليج، وما زلتُ بعيدةً عن عمّان، عن موطني الذي تركته ظنًّا مني أن الأيام ستُعلّمني التأقلم، وأن الغياب سيصبح مجرد تفصيل في مسيرة الحياة. لكن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا… فمع مرور الوقت، لم يزدني الابتعاد إلا شوقًا واشتياقًا، ولم تهدأ في قلبي نيران الحنين، بل ازدادت توهجًا، خصوصًا حين يهلّ هلال رمضان.
رمضان في سيدني… غربة المشاعر رغم سحر المكان
في سيدني، حيث الحداثة تلامس الطبيعة، وحيث تتناغم ناطحات السحاب مع الشواطئ الذهبية والمياه الفيروزية، تبدو الحياة وكأنها لوحة مرسومة بعناية. الرفاهية هنا ليست فقط في توفر كل شيء، بل في التفاصيل الصغيرة التي تصنع يومك: في الأمان، في حرية الحركة، في فرص التعلم والتطور، في الهدوء الذي يلف المدينة رغم ازدحامها، وفي التنوع الذي يجعلك جزءًا من عالمٍ بلا حدود. ولكن مع كل هذا الجمال، كان رمضان يمرّ باهتًا…
تستيقظ على نهارٍ لا يختلف عن أي يومٍ آخر، تعمل وسط زملاء لا يعرفون معنى الصيام، تمشي في شوارع لا تحمل أي أثرٍ لأجواء الشهر الفضيل. كنا نحاول أن نخلق طقوسنا الرمضانية في المساجد الصغيرة، أن نتجمع للإفطار، أن نصلي التراويح، لكن كان هناك شيء ناقص… شيء لا يمكن استبداله بأي رفاهية أو جمال.
رمضان في الخليج… الفخامة بلا انتماء
ثم جاءت دول الخليج، حيث رمضان يختلف عن سيدني، لكنه لا يشبه عمّان… هنا، تشعر بالشهر الفضيل في كل زاوية، فالمدن تتزين بالأضواء، والمحال تعج بالمأكولات الرمضانية، والمراكز التجارية تنبض بالحياة حتى ساعات السحور. الفخامة واضحة، والموائد عامرة، والمقاهي تعج بالناس الذين يسهرون حتى الفجر، وكأن الليل لا ينتهي. هنا، الرفاهية تتجلى في كل تفصيلة، في الخدمات التي لا تعرف التأخير، في البنية التحتية المتقدمة، في الحياة التي تُغدق على ساكنيها بالكثير… لكن وسط كل هذا، هناك شيءٌ واحد غير متاح: الوطن. مهما كانت الأجواء قريبة من رمضان الذي أعرفه، إلا أنها لم تحمل رائحة الأهل، ولم تحتضنني بنفس الدفء، ولم يكن الشارع مألوفًا كما في عمّان.
أما رمضان في عمّان… فهو الوطن بكل تفاصيله
في عمّان، رمضان ليس مجرد شهر، بل حالةٌ تعيشها بكل حواسك. تراه في شوارع وسط البلد التي تضج بالحياة قبل المغرب، تسمعه في أصوات بائعي السوس والتمر الهندي، تشعر به في رائحة القطايف الطازجة التي تفوح من الأفران. في جبل عمّان واللويبدة، تمتزج الفوانيس المضيئة بحكايات المدينة، والبيوت العتيقة تحتضن دفء العائلة، والشرفات تمتلئ بضحكات الأهل والجيران.
لكن أكثر ما أحنّ إليه هو تلك اللحظات الروحانية التي لا تُعوّض… لحظة دخول مسجد الملك الحسين في حدائق الحسين لصلاة التراويح. هناك، بين جدرانه العريقة، وفي رحابه الواسعة، كنتُ أشعر أنني اقتربتُ أكثر من روحي. في كل ركعة، كنتُ أستعيد جزءًا من نفسي، وكأن سجودي هناك يحملني إلى عالمٍ أكثر نقاءً وطمأنينة. وبعد الصلاة، عندما أخرج إلى الساحة، أرى العائلات تجلس بهدوء، الأطفال يركضون ببراءتهم، والسماء تتلألأ بنجومها وكأنها تُبارك هذا المشهد الجميل.
في سيدني وجدتُ الراحة، وفي الخليج وجدتُ الرفاهية، لكن في عمّان وحدها وجدتُ نفسي.
هناك، حيث لا رفاهية تضاهي شعور الانتماء، ولا جمال يفوق دفء الحنين، ولا شيء يعادل ذلك الإحساس الذي يغمرني مع أذان المغرب وأنا بين أهلي، في مدينتي، في رمضان الذي لا يزال يسكنني رغم الغياب.
يا عمّان… كم أشتاق إليكِ، وكم أشتاق لرمضان في حضنك، رمضانك الذي لا يُضاهيه رمضانٌ آخر في أي مكانٍ في العالم!
مدار الساعة ـ