منذ أن تصدّر العالم، بقيادة الدول الغربية، جهود مكافحة “الإرهاب”، التزمت معظم دول العالم، وخاصة الإسلامية منها، بهذا التوجه وانضمت إلى التحالفات الدولية في هذا الإطار، ورغم أن جميع الأديان ترفض العنف، إلا أن آليات التصنيف والتعامل مع الجماعات المسلحة تثير العديد من التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بازدواجيتها مثار الجدل
السؤال الأهم هنا هو من هي الجهة المخوّلة بتحديد الجماعات الإرهابية؟! وما الأسس التي تَعتمِد عليها هذه التصنيفات؟ فعلى مدار العقود الأخيرة، ظهرت تصنيفات متعددة للإسلام، مثل الإسلام “الراديكالي”، و”المعتدل”، و”السياسي”، رغم أن الإسلام، كدين، لم يتغير منذ بزوغ دعوته قبل 1446 عامًا
هذه التصنيفات تطرح تساؤلات حول مدى شموليتها، وهل تستهدف جميع الجماعات التي تتبنّى العنف أم أنّها تقتصر على الإسلاميين فقط؟
من الواضح أن القوى الكبرى تلعب دوراً مهمّاً في توجيه هذه التصنيفات وفقاً لمصالحها، فعلى سبيل المثال، ركّزت التحالفات الدولية على محاربة الجماعات الإسلامية المصنفة كإرهابية، لكنها لم تتخذ موقفًا مشابهًا تجاه حركات الإبادة والاضطهاد التي تعرض لها المسلمون في مناطق مثل كشمير وميانمار والصين وهذا يثير تساؤلًا حول مدى اتساق المعايير المستخدمة تجاه الجميع، علاوة على ذلك، هناك تأثير واضح لبعض اللوبيات السياسية والإعلامية في تحديد التصنيفات حيث أنّ بعض الجماعات التي تتبنى المقاومة ضد الاحتلال، مثل بعض الفصائل الفلسطينية، يتم تصنيفها كإرهابية، بينما تُمنح جماعات أخرى، رغم ممارستها العنف، غطاءً سياسياً وإعلامياً وهذا لا يعني بالضرورة أن جميع الجماعات المسلحة مشروعة، ولكن من الضروري أن تكون المعايير المستخدمة موحدة وعادلة
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور بعض الدول الإسلامية في ترسيخ هذه التصنيفات، حيث تتبنى بعض الأنظمة العربية والغربية تصنيفات معينة لأغراض سياسية داخلية أو لضمان تحالفاتها مع القوى الكبرى، وعلى سبيل المثال، هناك إجماع دولي على تصنيف “داعش” و”القاعدة” و "PKK" كجماعات إرهابية، لكن تصنيفات أخرى، مثل تلك المتعلقة بحركات المقاومة، تبقى محل جدل دولي
إن التحيّز في التصنيفات الدولية ليس مجرد قضية سياسية، بل يؤثر بشكل مباشر على طبيعة الصراعات وحلولها، ومثال ذلك الوضع الحالي مما يحدث في غزة، حيث يُنظر إلى المقاومة المسلحة على أنها إرهاب، رغم أن القانون الدولي يُقر بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، والتاريخ يُظهر أمثلة مشابهة، مثل حركات التحرر في فيتنام وأفغانستان، التي انتقلت من كونها “إرهابية” إلى جهات شرعية بمجرد تغير المصالح الدولية، ناهيك عن قيام بعض الدول الكبرى بدعم حركات مسلحة ومصنّفة بالإرهابية لإسقاط أنظمة سياسية تتعارض مع مصالحها، ومن ثم قامت بتبنيها رسمياً والإعتراف بها كأنظمة سياسية شرعية بعد أن كانت إرهابية
في النهاية تتطلب مكافحة الإرهاب مقاربة أكثر عدالة من الجميع، بحيث تستند التصنيفات إلى معايير موضوعية تشمل جميع الحركات التي تتبنّى العنف بغض النظر عن خلفياتها السياسية أو الدينية، كما ينبغي على الدول الإسلامية أن تلعب دورًا أكثر فاعلية في تحديد هذه المعايير، لضمان عدم استخدامها كأداة سياسية تخدم أطرافًا بعينها دون غيرها