أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

‏مخاضات معركة الوعي على الأردن ومن أجله


حسين الرواشدة

‏مخاضات معركة الوعي على الأردن ومن أجله

مدار الساعة (الدستور الأردنية) ـ
معركة الوعي على الأردن، التاريخ والدولة والمستقبل، ستكون طويلة ومزدحمة بالمصدات، ومجبولة بالتعب والتضحيات، لكنها أهم ما يجب أن نفكر به، وننهض اليه، لمعرفة ذاتنا الوطنية وتقديرها أولاً، ثم لمواجهة أعدائنا الذين يتربصون بنا خارج الحدود، أو ربما يتسللون الينا من داخل التحالفات، أو «يتسربون كالنمل من عيوبنا».
أعرف أن البعض استطاع، خلال العقود الماضية، ركوب موجة» الاسترخاء « العام لاختطاف صوت الأردنيين وإنجازاتهم وتاريخهم، وتهميش وسائطهم السياسية والاجتماعية، وأن آخرين جلسوا على البيدر لاقتسام الغنائم وتوزيع الحصص، الآن انتهت هذه الحقبة، أو يجب أن تنتهي، وأن نسمع انعكاسات الوعي الأردني على ألسنة كل الأردنيين، ونرى شواهده تتصدر كافة مؤسساتهم ومجالات حياتهم.
‏الأردنيون انتبهوا لما يحاك ضدهم، وخرجوا من حالة الاسترخاء وتبادل المجاملات والصمت على الأخطاء، لكي يدافعوا عن بلدهم، ويتحصنوا داخل هويتهم، ويرسموا فضاءات مع محيطهم والعالم، تتناسب مع قيمهم ومصالحهم، ومع المستجدات والتحولات الكبرى التي تفجرت في المنطقة، لقد بدأوا رحلة تجديد الوعي واكتشفوا عناصر قوتهم ومنعتهم، دقت فيهم ساعة الروح الوطنية، ولا مجال للعودة إلى الوراء.
تحتاج معركة الوعي على الأردن ومن أجله لمن يحركها ويتبناها، يرشدها ويرعاها، ادارات الدولة أولاً، ومعها نخب أردنية موثوقة، جماعة وطنية تؤمن بالأردن، وتستعد للتضحيه من أجله، وتتعامل مع أعدائه بكل حزم، ومع الاتهامات والإساءات التي تُوجّه إليها من أبناء جلدتها بصبر وصدر واسع وردود عاقلة.
صحيح، مجتمعنا الأردني الطيب ما زال قيد حصارين: حصار التاريخ وحصار الجغرافيا، بكل ما تراكم عليهما من روايات وأيدولوجيات عابرة للحدود، واستحقاقات فرضتها لحظات تاريخية وتحولات سياسية قاهرة، صحيح، ثانيا، لدي قطاع من الأردنيين خزانات من المظلوميات ما زالت تتغذى على أخطاءٍ لإدارات عامة، أو خطابات «شعوبية»عابرة للحدود، أو مشروعات وافدة وطارئة.
لكن الصحيح، دائما وأبدا، هو أن وعي الأردنيين وحرصهم على الأردن، الوطن والدولة، متغلغل في أعماقهم، متدفق في عروقهم، راسخ في عقولهم ووجدانهم، لا يستطيع أحد، خاصة عند المنعرجات التاريخية الحاسمة، أن يصادره او يشوّهه أو يُجيّره لحسابات تتصادم مع القيم التي تأسست عليها دولتهم، والمصالح العليا التي تربطهم بها، الأردنيون يعرفون تماما العدو الصهيوني الذي يتربص بهم، كما يعرفون، أيضاً، من يحاول أن يقايضهم باسمه، او بالنيابة عنه.
‏أدرك، تماما، أن البعض ممن اكتسبوا أو تكسبوا من فترة غياب هذا الوعي أو تغييبه، وحاولوا تعميم أو تأميم أنماطا من الثقافة والتدين والتسييس على الأردنيين، تبعا لمصالحهم وأيدولوجياتهم، سيحتشدون لمواجهة هذا الوعي الأردني المتجدد، من أجل تشويهه او إسكاته أو الانقضاض عليه، لا أقول ذلك في سياق توجيه الاتهامات أو التشكيك أو افتراض سوء النوايا، وإنما في سياق محاولة الفهم لما جرى في بلدنا على مدى العقود الطويلة الماضية، حيث لم تهدأ صراعات المشاريع والأجندات، وحلقات تزوير التاريخ، والتيئيس من الحاضر، والتشكيك بالمستقبل.
‏ومع ذلك، هذه المرحلة، بكل ما فيها من تحولات وأخطار، تفرض على الأردنيين، كل الأردنيين، أن يتوحدوا أمام خطاب الوعي الذي يصب في مصلحة بلدهم، ويعمق داخلهم الكرامة بذاتهم ووطنهم ؛ لا مجال، أبدا، للهروب من الإجابة على الأسئلة الكبرى التي يطرحها الشباب الأردني اليوم، فهي تعبر بصدق عن جملة الهواجس والمخاوف والطموحات التي تراود أغلبية الأردنيين، وهي لا تتعلق فقط بترسيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وإنما بصميم الحفاظ على وجود الدولة وعلى تماسك المجتمع، وعلى الثوابت والمصالح الأردنية، بعيداً عن أي حسابات أخرى.
‏أكيد، مخاضات معركة الوعي على الأردن ومن أجله سترافقها أوجاع عديدة، وأحاسيس سامية تشبه لحظات استقبال الولادات الجديدة، لكنها ستكون مبشرة بالخير، هذا الأردن الممتد في التاريخ والكرامات، المفتوح على «الخلق الوعر « ورد العاديات، العصي على الكيد والمؤامرات، لديه كل ما يلزم من مقومات الوعي على تاريخه وحاضره ومستقبله، وعلى ذاته وأمته والإنسانية كلها، في كل بقعة فيه، وعلى كل شبر من ترابه، مقامات ومعارك، حضارات وانتصارات وإنجازات، أنبياء وأولياء وشهداء، تنعش ذاكرة كل أردني استعصت على الشطب والتشويه، وتذكره بأن له وطنا يعيش فيه، ويُنجز من أجله، يدافع عنه فيظل واقفاً، أو يموت فيُعذرا.
مدار الساعة (الدستور الأردنية) ـ