المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد استجابة طارئة تُقدم عند وقوع الأزمات أو خلال مناسبات محددة؛ بل هي التزام طويل الأمد يتطلب إطارًا مؤسسيًا يضمن استمراريتها وتحقيق أثرها الإيجابي في المجتمع والاقتصاد، لذلك تتبنى الحكومة نهجًا واضحًا لمأسسة المسؤولية الاجتماعية، سعيًا منها لبناء شراكة متينة ومستدامة مع القطاع الخاص قائمة على أسس منهجية واضحة.
لكن تحقيق هذا النهج يتطلب تفعيلًا حقيقيًا وفعّالًا للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقد أكد رئيس الوزراء في أكثر من مناسبة أن هذه الشراكة ليست مجرد شعار، بل هي علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والثقة المشتركة، مع التركيز على تحقيق المصلحة الوطنية، ومن هذا المنطلق، تعمل الحكومة بجد على تهيئة بيئة أعمال محفزة، تسهم في جذب استثمارات جديدة وتعزيز الاستثمارات القائمة، بما يدعم التنمية المستدامة.
ومن الأمثلة التي تُترجم هذا الالتزام بمفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكل عملي ومستدام، مبادرة البنوك الأردنية التي خصصت 90 مليون دينار لدعم قطاعي الصحة والتعليم على مدار ثلاث سنوات، فهذه المبادرة ليست مجرد استجابة ظرفية، بل تُعبر عن التزام حقيقي يعكس رؤية القطاع الخاص في لعب دور فاعل في خدمة المجتمع.
وفي سياق مشابه، بادرت شركة مناجم الفوسفات الأردنية بدعم قطاعي التعليم والصحة من خلال التبرع بمبلغ 40 مليون دينار على مدار ثلاث سنوات، بهدف التوسع في بناء المدارس والمرافق الصحية. هاتان المبادرتان ستنفذان وفق آلية منظمة تتضمن فتح حساب بنكي خاص في البنك المركزي لضمان صرف هذه المبالغ وفق الإنجاز الفعلي وحسب خطط تنفيذية مدروسة، ما يعكس الحرص على الالتزام بتقديم مساهمات فعالة بعيدًا عن العشوائية أو الاستجابة الوقتية.
رئيس الوزراء شدد على أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتجاوز مجرد التبرعات أو العمل الخيري؛ فهو نهج تنموي يُترجم إلى سياسات وخطط عملية تعكس شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي، لذلك فإن مبدأ المسؤولية الاجتماعية ليس جهدًا مؤقتًا أو استجابة طارئة، بل هو التزام مستمر يتجاوز الحكومات المتعاقبة ومجالس إدارات الشركات، ما يفرض أن تكون جزءًا أصيلًا من السياسات الوطنية لضمان استمرارية الجهود وتركيزها على تحقيق الأولويات الوطنية.
إن ما يبعث على التفاؤل هو أن الحكومة لا تكتفي بمجرد الدعوة إلى هذه الشراكة، بل تعمل بجد على تأسيس إطار عملي يدعم هذا التوجه، وهي تدرك أن القطاع الخاص يمثل شريكًا رئيسيًا في تحقيق التنمية، لذا تسعى إلى تطوير بيئة تشريعية وتنظيمية تُحفّز الشركات على الانخراط في المسؤولية الاجتماعية بشكل أكثر فاعلية.
وهذه الجهود لا تعني أن المسؤولية الاجتماعية عبء على القطاع الخاص، بل تُعد فرصة حقيقية لتعزيز مكانته في المجتمع والإسهام في تحسين حياة المواطنين بطرق مباشرة وملموسة. المسؤولية الاجتماعية، إذن، ليست فزعة ولا مجرد لفتة رمزية، بل هي التزام مستدام يتطلب تخطيطًا طويل الأمد، ومأسسة العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص تُعد الطريق الأمثل لضمان استمراريتها وتحقيق نتائج فعلية تخدم المجتمع وتدعم الاقتصاد الوطني على المدى البعيد.