أجرى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب كما هو معروف مكالمة هاتفية مع رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين بتاريخ 19 / مارس / 2025 ، استمرت قرابة ساعتين شملت ملف الحرب الأوكرانية ، و أهمية ترطيب العلاقات الثنائية ، و قضايا الشرق الأوسط . و هي المكالمة التي انتظرها الجانبان العظميان بشوق كبير ، رغم تمثيل الجانب الأمريكي غربا لاحادية القطب وحلف " الناتو "، و الروسي شرقا لتعددية الأقطاب ، و الحلف السوفيتي السابق، و بقاء الحرب الباردة و سباق التسلح يراوحان المكان ،و صداقة ثنائية لأمريكا و روسيا مع الصين و الهند ، وعلاقة روسية – صينية متينة و عميقة مع روسيا تحديدا .
و أسس لقاء المملكة العربية السعودية في الرياض بينهما بتاريخ 18 / فبراير / 2025 بمشاركة سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا ، و يوري أوشاكوف كبير مستشاري الرئيس بوتين و قصر الكرملين الرئاسي ،و ماركو روبيو وزير خارجية أمريكا ،ومايك والز مستشار الأمن القومي الأمريكي ، و الأمير فيصل بن فرحان وزير خارجية السعودية للمكالمة الأمريكية – الروسية الهامة بعد انقطاع الاتصال بينهما لفترة طويلة في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن الذي انحاز لنظام " كييف " ، و جر خلفه بنفس الاتجاه غرب و شمال أوروبا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي .
ولقاء أمريكي – أوكراني في مدينة جدة في السعودية بتاريخ 11 / مارس / 2025 مهد أيضا للمكالمة الأمريكية – الروسية رفيعة المستوى ، وحرص من قبل الرئيس الأمريكي ترامب على إجراء مكالمة مقابلة و بنفس اليوم مع الرئيس الأوكراني لغرب أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي 19 / مارس / 2025 ، أي بعد مكالمته مع بوتين لاطلاعه على شروط موسكو بشأن الهدنة المقترحة من الجانب الأمريكي و بالتنسيق مع الجانب الأوكراني الغربي لمدة 30 يوما . وبطبيعة الحال لازالت القوة العسكرية الأوكرانية محاصرة داخل مدينة - كورسك -الروسية الحدودية ، وهي التي دخلت إليها بغباء قبل عام ، و انذار أخير لها من قبل الرئيس بوتين بضرورة الاستسلام و رمي السلاح لضمان حياتهم بعد طلب من الرئيس ترامب مؤخرا . ومحاولة فاشلة للجيش الأوكراني لاجتياح مدينة – بيلغاراد - الروسية الحدودية أيضا . فماذا ورد في مكالمة ترامب – بوتين ، و الذي لم يعلن عنه الإعلام الروسي الرسمي و عرفناه من مصادر عديدة متنوعة ؟
النقطة الأولى التي ركز عليها الجانبان الأمريكي و الروسي هي أهمية تطبيع العلاقات بينهما بإعتبارهما ميزان العالم في كفتيه الغربية و الشرقية ،و هما بالمناسبة نوويتان في المجال العسكري ومن الوزن الثقيل ،و الكفة الراجحة تميل لجهة روسيا الاتحادية التي تمتلك الرقم 1 في مجاله . و لترطيب العلاقات الثنائية طرحت روسيا – بوتين وسط المكالمة فكرة تنشيط مباريات " الهوكي " المفضلة لدى الجانبين و يتميزان بها . وتم التطرق لأهمية الاستفادة من تثبيت هدنة روسية – أوكرانية تؤسس لسلام دائم وعادل ،و بشروط روسية دقيقة غير قابلة للتفاوض ، و في مقدمتها ابعاد " الناتو " عن أوكرانيا ، و التزامها بالحياد ، و قبول أمريكا و " كييف " بالمناطق التي حررتها روسيا و دخلت الدستور الروسي لتصبح داخل السيادة الروسية و إلى الأبد .وهي الشروط التي سبق لمبعوث الأدارة الأمريكية لروسيا - ستيف ويتكوف – أن حملها للبيت الأبيض .
و أشارت المكالمة الهاتفية الثنائية الهامة هذه لأمكانية ترسيخ علاقات متينة بين الجانبين الروسي و الأمريكي ، و للعودة لضخ الغاز الروسي لأوروبا بأسعار تفضيلية ،و لعودة العلاقات الروسية و الأوكرانية لسابق عهدها إلى الأمام في عهد ما بعد زيلينسكي ، و تماما كما كانت في عهد الرئيس الأوكراني فيكتور يونوكوفيج و قبل ذلك .
وثمة اهتمام للرئيس ترامب عبر مطالبته وبعد الارتكاز على تواصله مع الرئيس زيلينسكي بضرورة أن تبقي روسيا على حياة القوة العسكرية الأوكرانية المحاصرة داخل مدينة " كورسك " الروسية الحدودية ، في وقت اشترط فيه الرئيس بوتين رفع الراية البيضاء . و مطلب أمريكي لكي تتوقف روسيا عن توجيه ضربات للبنية التحتية الأوكرانية الغربية . و يتفق الرئيسان بوتين و ترامب بأن الحرب الأوكرانية ما كان لها أن تندلع لو فاز ترامب الجمهوري عام 2020 ، و ليس جو بايدن الديمقراطي الذي دمر العلاقات الأمريكية – الروسية .وفي المقابل ذهب زيلينسكي لكي يقلد بوتين و يطالب بتفاصيل المكالمة الهاتفية بين ترامب و بوتين ،و يستمر في المراوغة ، كما سبق و أن طالبت روسيا – بوتين بتفاصيل اللقاء الأمريكي – الأوكراني في جدة سابقا . و ذهب الجانبان الأمريكي و الروسي لتشكيل لجان متخصصة لمتابعة الشأنين الأمريكي و الروسي و كل ماله علاقة بالحرب الأوكرانية . ولقد رفض الاتحاد الأروبي طلبا للرئيس بوتين لوقف مد أوكرانيا بالسلاح والاستخبار للوصول على الأقل لسلام مؤقت . و مطالبة حديثة للرئيس ترامب للسيطرة على محطات الطاقة في أوكرانيا و امتلاك المصادر الطبيعية النادرة . و تصريح حديث ليوري أوشاكوف حول انعقاد لقاء روسي – أمريكي في السعودية الأثنين 24 مارس الجاري بحضور خبراء في شأن الحرب الأوكرانية و العلاقات بين البلدين الكبيرين ، يمثل روسيا فيه – جيورجي كاراسين رئيس لجنة الخارجية في البرلمان ، و سيرجي بيسيدا مستشار جهاز الأمن الاتحادي الروسي .
واهتمام أمريكي و روسي بقضايا الشرق الأوسط من خلال المكالمة الهاتفية الرئاسية و في مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة الواجب أن تفضي لحل الدولتين و قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس ،ومعالجة العلاقات الأمريكية – الإيرانية المتشنجة بتوجيه إسرائيلي ، و بسبب اتهام إيران بالشروع سرا بصناعة قنبلة نووية ، وهو ما تنفيه إيران ،في وقت تدعو فيه روسيا – أمريكا لحوار هاديء بناء بعيدا عن العنف .
و المعروف في المقابل بأن المجتمع الدولي و النادي النووي الدولي ، و القانون الدولي ، و الاستخبارات الدولية لا تسمح لإيران بإمتلاك سلاح نووي يهدد المنطقة الشرق أوسطية بالكامل بسبب راديكاليتها . و يقابل هذه المعادلة امتلاك إسرائيل لتراسانة نووية هي الوحيدة في المنطقة ، و الأصل اخلاء المنطقة بالكامل من السلاح غير التقليدي للمحافظة على أمن المنطقة و العالم .
ما أكتبه في مقالاتي التحليلية المتخصصة في شأن السياسة الروسية و الدولية أقرأ مثيله في خطابات الرئيس بوتين ، وفي مكالمة الرئيس ترامب مع سيادته وردت عبارة " ما تم انفاقه من مال و سلاح على الحرب الأوكرانية كان بالإمكان صرفه لصالح الشعب الأوكراني ،وهي التي استخدمها في مقالاتي . وما كان بالإمكان خسران هذا العدد الكبير من المواطنين و العسكر من الجانبين في زمن خسران " كييف ط لوحدها أكثر من مليون عسكري، و الكلام هنا لي . و تم الاتفاق وسط المكالمة الهاتفية الرئاسية هذه على تبادل الأسرى ، وهو عمل إنساني هام .
و الأهم في أيامنا هذه هو لفت انتباه المجتمع الدولي لاستمرار حرب الإبادة في قطاع غزة ، و التي عاد إليها الإرهابي نتنياهو إرضاء لوزيره بن غفير ولكي يعود للحكومة التي تقارب على الإنهيار . و حماس – حركة المقاومة العربية الإسلامية المناضلة و صاحبة قرار السابع من أكتوبر 2023 البطولي الثائر لمظالم القضية الفلسطينية العادلة منذ قرار التقسيم و النكبة مروار بالنكسة ، قدمت دفعات في ملف الأسرى الإسرائيليين مقابل الافراج عن معتقلين فلسطينيين ، ولم يشفع ذلك لها و لا لغزة المكلومة ، ولا للشعب الفلسطيني القابض على الجمر و الراضخ تحت الاحتلال و يدمر ، و تحججت إسرائيل مجددا بما تبقى من أسرى وعددهم 59 أسيرا فقتلت عشرة أضعافهم في يومين ، وقبل ذلك الكثيرين حتى وصل العدد إلى قرابة ال 50 الف شهيد جلهم من الأطفال و النساء و الشيوخ ، و غيرهم الكثير تحت الأنقاض .
وما زاد الطين بلة ، هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية لجانب إسرائيل النازية العدوانية الاحتلالية الاستيطانية ،و كيلها بمكيالين ، نراها تحزن على جنود أوكرانيا المحاصرين المتهمين من قبل روسيا بممارسة الإرهاب ، و تأمر إسرائيل بقصف المواطنين الفلسطينيين الأبرياء و محاصرتهم ، و تقصف المواطنين اليمنيين المسالمين بحجة محاربة الحوثيين ، و أصبحت في سلوكها تشبه امبراطورية أدولف هتلر .