أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات جامعات وفيات مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة شهادة مستثمرون جاهات واعراس الموقف دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

البواريد يكتب: مَعْرَكَةُ الكَرَامَةِ.. مَلحمةُ التَّاريخِ الَّتي تُمهِّدُ لِمُستقبلٍ أُرْدُنيٍّ عَظِيمٍ


منصور البواريد

البواريد يكتب: مَعْرَكَةُ الكَرَامَةِ.. مَلحمةُ التَّاريخِ الَّتي تُمهِّدُ لِمُستقبلٍ أُرْدُنيٍّ عَظِيمٍ

مدار الساعة ـ
في الحادي والعشرِينَ من آذار عام 1968، دوَّى صوتُ الكرامةِ في سمَاءِ الأُرْدُنِّ، لِيُعلن أنَّ هذا الوطن، رَغْمَ صِغَرِ حَجمِهِ، قادر على أنْ يَفرِضَ إرَادَتَهُ في وجه أعتى القوى، لم تكن معركة الكرامة مُجرَّد انتصارٍ عسكريٍّ في مواجهةِ جيشٍ عُرفَ بِجَبَرُوتِهِ، بل كانتْ ولادةٌ جديدةٌ لرُوحٍ وطنيَّةٍ لا تقبلُ الانكسار، ورسالةٌ تاريخيَّةٌ بأنَّ الأردنَّ وُجد ليبقى، لا لينحني أمَامَ العَوَاصِفِ.
اليوم، ونحنُ نعيشُ في عصرِ التَّحدِّيَاتِ الكُبرى، تفرِضَ علينا الكرامةُ أنْ نستلهمَ منها دُرُوسًا جديدةً، لا في ميادين القتال فقط، بل في معركة التَّحديثِ والنَّهضةِ، حيثُ تُقاسُ قوُّةُ الدُّولِ بِقُدرتِهَا على بِنَاءِ اقتِصَادِهَا، وتأمين غذائِهَا، وتطوير معرفتها، وتحقيق سيادتها على كُلِّ المُستويات.
الكرامة: نُقطةُ تحوُّلٍ في تَارِيخِ الأُرْدُنِّ
كان الأردن، عشية معركة الكرامة، يمرّ بمرحلة حرجة بعد نكسة 1967، حيث كان العالم العربي يرزح تحت وطأة الإحباط واليأس. ظن العدو أن الطريق مفتوح أمامه ليكمل مشروعه التوسعي، لكنه تفاجأ بجنود الجيش العربي الأردني وهم يسطرون بدمائهم قصة صمود أسطورية قلبت الموازين.
لقد أرسَلَ الأُردُنِّيُّونَ يومهَا رِسَالةً واضِحَةً: الكرامةُ ليستْ شِعَارًا، بل عقيدةً، السِّيادة ليستْ تنازُلًا، بل حقٌّ يُنتزعُ، الوطنُ لا يُدار بالخَوفِ، بل بالإرَادَةِ والتَّحدِّي.
من معركةِ السِّلاحِ إلى معركةِ السِّيادةِ الاقتصاديِّة والتُّكنولوجية
اليومُ، وبعد أكثر من خمسة عُقود، يقفُ الأردنُ أمامَ معركةٍ جديدةٍ، لا تَقلُّ خُطُورةً عن معركةِ الكرامةِ، فإذا كان الماضي قد فرض علينا المواجهة بالسِّلاح، فإنَّ المستقبل يفرضُ علينا خوضَ حربٍ من نوعٍ آخرٍ، حرب الاستقلال الاقتصاديِّ، والاكتفاء الذاتيِّ، والنَّهضة العلميَّة.
في زمنٍ تتحكمُ فيه التكنولوجيا بالسِّيادة، يُصبح لزامًا علينا أنْ نُطوِّر قُدراتِنَا العلميَّة والصَّنَاعيَّة، وألّا نبقى رهائن للاقتصاد الرَّيعي أو للمساعداتِ الخارجيَّة، كما استطاع الجُنديُّ الأردنيِّ في الكرامةِ أنْ يقهر عدوِّه بالإصرار، يَستطيع الأردنُ اليومَ أنْ يقهر التَّحدِّيات بالعلمِ والإبداعِ والعملِ الدَّؤوبِ.
1. تحقيق السِّيادة الاقتصاديَّة: لا تبعيَّة بعد اليوم
كما رفض الأردن الخضوع عسكريًّا في الكرامة، فإنَّه اليوم مُطالب برفض التَّبعيَّة الاقتصاديَّة، فلا يُمكن لدولةٍ أنْ تكون مستقلَّة وهي تعتمِد على استيراد غذائها ومياهها ومواردها الحيويَّة، فالمعركة الحقيقيَّة تكمُن في بناء اقتصاد إنتاجي، قائم على التّصنيع والابتكار، وليسَ على الاستيراد والدِّيون..
2. التِّكنولوجيا سلاح المستقبل
في عصر الذَّكاء الاصطناعي والثورة الرَّقميَّة، لا مكان للدول الَّتي لا تمتلك المعرفة، فالأردن يملك العقول، لكنَّه بحاجة إلى استراتيجيَّة وطنيَّة تجعل التِّكنولوجيا محورًا أساسيًّا لاقتصاده، تمامًا كما كان الجيش محورًا لحماية سيادته في الكرامة.
3. الأمن المائي والغذائي: معركة الاستقلال الحقيقي
كما سطَّر الأردن في الكرامة ملحمةً في الدِّفاع عن أرضه، فإنَّه اليوم بحاجة إلى معركةٍ لا تقل أهمِّيَّة لحماية موارده الطَّبيعيَّة، كمشاريع تحلية المياه، والتَّوسُّع في الزراعة الذَّكيَّة، والاستثمار في الطَّاقة المُتجددة، كُلُّها تحدِّيات لا تقل أهمِّيَّة عن مواجهة جيوش الاحتلال.
الكرامة ليستْ ذكرى… بل مستقبل ينتظر من يصنعه، إنَّ استذكار معركة الكرامة لا يجب أنْ يكون مجرَّد احتفاء بحدثٍ ماضٍ، بل يجب أنْ يكون استنهاضًا لروح التَّحدي في كل الميادين، كما انتصر الأردن في معركة السِّلاح، عليه اليوم أنْ ينتصر في معركة النَّهضة والاستقلال التَّام.
ليسَ هُناك كرامة دون سيادة، ولا سيادة دون اقتصاد قوي، ولا اقتصاد قوي دون إرادة سياسيَّة حاسمة، تُعلي من شأن العلم والعمل والإنتاج، هذهِ هي الكرامة الَّتي يجب أنْ نصنعُهَا اليوم، كي لا يكون احتفالُنا بالماضي مُجرد كلمات، بل فعلًا يُمهِّد لمستقبلٍ أكثر ازدهارًا وقوةً.
الكرامةُ لم تكنْ مجرَّدَ يومٍ في التَّاريخ، الكرامةُ يجب أنْ تكون أسلُوبَ حياة، ونهج منضبط مدروس، وعقيدة بناء، وإلَّا فإنَّنا سنكون قد انتصرنا في الماضي، لكنَّنا خسرنا المستقبل، فالخسارة ليستْ من عقيدة النشامى، والكرامة ليستْ ذكرى... إنَّما الكرامة مشروع مستمر بهمة الأردنيين.
مدار الساعة ـ