أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مناسبات مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الضمور يكتب: معركة الكرامة.. حين كتب الأردنيون بأرواحهم ملحمةً لا تُنسى !


د. محمد خير فيصل الضمور

الضمور يكتب: معركة الكرامة.. حين كتب الأردنيون بأرواحهم ملحمةً لا تُنسى !

مدار الساعة ـ
في فجر الحادي والعشرين من آذار عام 1968، لم تكن السماء فوق غور الأردن مجرد سماء عادية، بل كانت شاهدةً على ميلاد ملحمةٍ خالدة، كتبها الجيش العربي الأردني بدماء أبطاله، وأرواح شهدائه، وإرادةٍ لا تعرف الانكسار.
كانت معركة الكرامة أكثر من مجرد مواجهة عسكرية؛ كانت رسالةً إلى العالم بأن للأردنيين كرامة لا تُهزم، وأن الأرض لا تُسلم، وأن الأردن، برغم صغر مساحته، كبيرٌ بإرادته وعزيمته.
- السياق التاريخي: من ركام الهزيمة إلى شموخ النصر
بعد نكسة حزيران 1967، كانت المنطقة العربية تعيش في ظلال الهزيمة والإحباط، بينما كانت إسرائيل تتعامل بغطرسة المنتصر، معتبرة نفسها القوة العسكرية الأعلى التي لا تُقهر.
في هذا المناخ، قررت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في غور الأردن، أطلقت عليها اسم "عملية توف"، بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية الناشئة، وتأديب الأردن لاستضافته تلك المقاومة حسب قولهم .
اختارت إسرائيل منطقة الكرامة لتكون ساحة المعركة، معتقدة أن تحقيق نصر سريع وحاسم هناك سيرسخ هيبتها العسكرية ويُرهب العرب؛ لكنها لم تكن تعلم أن الجيش العربي الأردني، بقيادته الهاشمية الحكيمة، كان ينتظرها بقلوبٍ لا تعرف الخوف، وعزيمةٍ لا تعرف التراجع.
- الصمود الأردني: جدارٌ من الإرادة والعزيمة
مع بزوغ فجر ذلك اليوم، بدأت القوات الإسرائيلية هجومها بعبور نهر الأردن في عدة محاور، مدعومةً بقوة نيران هائلة من الدبابات والمدفعية الثقيلة والطيران الحربي ، لكنها اصطدمت بجدارٍ من الصمود الأردني، جسدته بطولات الجنود الأردنيين الذين وقفوا كالجبال في وجه العدو.
بإشراف مباشر من المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، قاد القادة الأردنيون المعركة بذكاء عسكري فريد، مستغلين تضاريس المنطقة لصالحهم، ومحولين الأرض إلى ساحةٍ تلتهم قوات العدو.
رغم التفوق العددي والتكنولوجي للجيش الإسرائيلي، إلا أن بسالة الجنود الأردنيين وإيمانهم بعدالة قضيتهم قلبوا المعادلة، وحوّلوا الهجوم الإسرائيلي إلى هزيمةٍ مذلة.
- بطولات خالدة: دماءٌ كتبت المجد
لم تكن معركة الكرامة مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت سجلًا خالدًا للبطولات الفردية والجماعية ؛ قاتل الجنود الأردنيون بشراسة نادرة، ورفضوا التراجع رغم القصف العنيف ، ومن أبرز مشاهد البطولة، تلك اللحظات التي واجه فيها الجنود الأردنيون الدبابات الإسرائيلية بأسلحة خفيفة، لكن بإيمانٍ صلبٍ لا يلين.
نتج عن المعركة تدمير أكثر من 88 آلية عسكرية إسرائيلية، وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف العدو، مما أجبره على التراجع والانسحاب للمرة الأولى في تاريخ المواجهات العربية-الإسرائيلية.
كانت الكرامة أول انتصار عربي على الجيش الإسرائيلي، وكسرت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر".
- الكرامة: اسمٌ لموقعٍ ورمزٌ لأمة
لم تكن "الكرامة" مجرد اسم للموقع الذي دارت فيه المعركة، بل كانت رمزًا لاستعادة كرامة العرب جميعًا ، فبعد نكسة حزيران 1967، كانت الأمة العربية تعيش حالة من الإحباط والتراجع، وكادت تفقد الثقة في قدراتها العسكرية والسياسية ، لكن معركة الكرامة أعادت للأمة العربية ثقتها بنفسها، وأثبتت أن العرب قادرون على الصمود والانتصار إذا ما توفرت لهم الإرادة والقيادة الحكيمة.
لقد كانت الكرامة رسالةً واضحةً إلى العالم بأن العرب، رغم التحديات، قادرون على استعادة كرامتهم ووحدتهم وكان الأردن، بجيشه العربي الباسل، في طليعة من حمل هذه الرسالة، ليصبح نموذجًا يُحتذى به في الصمود والتضحية.
- دروس الكرامة: الإرادة تصنع المستحيل
لم تكن معركة الكرامة عبارة عن انتصار عسكري وحسب، بل كانت درسًا بليغًا في قوة الإرادة والإيمان.
أثبتت المعركة أن النصر لا يُقاس بعدد الدبابات أو الطائرات، بل بإرادة القتال، والإيمان بالحق، والاستعداد للتضحية. لقد أظهرت الكرامة أن الجندي الأردني، متى ما توفرت له القيادة الحكيمة والتدريب المحترف، قادرٌ على تغيير معادلات القوة.
كما بعثت المعركة برسالة واضحة لكل من راهن على ضعف العرب، بأن الكرامة الوطنية ليست سلعة تباع وتشترى، وأن الأردن، بقيادته الهاشمية وجيشه العربي، كان وسيبقى خط الدفاع الأول عن قضايا الأمة.
- الكرامة في وجدان الأردنيين
اليوم، ونحن نحيي ذكرى هذه المعركة المجيدة، نقف إجلالًا وإكبارًا لشهداء الجيش العربي، الذين كتبوا بدمائهم صفحة مشرقة في تاريخ الأردن.
إن تضحياتهم لم تكن مجرد دفاع عن الأرض، بل كانت دفاعًا عن كرامة الأمة بأسرها.
وتأتي هذه الذكرى في ظل قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يسير على نهج والده المغفور له الملك الحسين بن طلال، في دعم الجيش العربي الأردني، وتعزيز جاهزيته ليبقى الدرع الحصين لهذا الوطن العزيز.
كما أن سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، يمثل جيلًا جديدًا من القادة، يحمل لواء الكرامة، ويؤكد أن الجيش العربي سيبقى قوةً رادعة، حاميةً للوطن ومكتسباته.
- خاتمة: الكرامة نهجٌ للأجيال
معركة الكرامة مبدأ ونهج، يرسخ في وجدان كل أردني معنى التضحية والفداء وستبقى هذه الذكرى محفورةً في ذاكرة الأجيال، تذكرنا دومًا بأن الأردن، رغم صغر مساحته، كبيرٌ بعزيمته، وأن جيشه العربي، برغم التحديات، سيبقى رمزًا للشجاعة والبطولة.
في هذه الذكرى العطرة، نرفع أسمى آيات التقدير والاحترام لشهدائنا الأبرار، ونعاهد قيادتنا الهاشمية بأن نبقى أوفياء لهذا الوطن، حاملين راية الكرامة، وسائرين على درب المجد، دفاعًا عن الأردن وعروبته، ووفاءً لتضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
الرحمة لشهداء الجيش العربي، والمجد والخلود لذكرى معركة الكرامة، والنصر الدائم للأردن تحت راية الهاشميين.
- المصادر والمراجع
1- الكتب:
- الحسين بن طلال، الملك. (1999). مذكرات الملك الحسين بن طلال: مهنتي كملك. دار الساقي.
- الشريف، زيد بن شاكر. (2005). معركة الكرامة: دراسة تحليلية. مركز الدراسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية.
- العواملة، محمد. (2010). الجيش العربي الأردني: تاريخ وبطولات. دار اليازوري العلمية.
2- الوثائق العسكرية:
- وزارة الدفاع الأردنية. (1968). تقرير رسمي عن معركة الكرامة. أرشيف الجيش العربي الأردني.
- القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية. (2008). وثائق معركة الكرامة: تحليل وتقييم. إدارة التاريخ العسكري.
3- المقالات الأكاديمية:
- الخصاونة، علي. (2015). "معركة الكرامة: قراءة في الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية". مجلة الدراسات التاريخية والعسكرية، العدد 12، ص 45-67.
- أبو غزالة، خالد. (2018). "دور القيادة الهاشمية في معركة الكرامة". مجلة العلوم الإنسانية، العدد 7، ص 89-102.
4. *المواقع الإلكترونية الموثوقة:
- الموقع الرسمي للجيش العربي الأردني: [www.jaf.mil.jo](http://www.jaf.mil.jo)
- موقع وكالة الأنباء الأردنية (بترا): [www.petra.gov.jo](http://www.petra.gov.jo)
مدار الساعة ـ