الكرامة – مناسبة شهر أذار الوطنية و العربية الشامخة التي تكللت بنصر أردني – فلسطيني فريد من نوعه ، ارتكز على محطة تعريب قيادة الجيش العربي الأردني في الأول منه ، وفي كلاهما يسجل الانجازين لمليكنا الراحل الحسين العظيم ، و عبر عن تلاحم الخندق الأردني – الفلسطيني الواحد ، و بإسم كل العرب على إسرائيل وجيشها الذي ثبت لنا هنا في الأردن ، و في الجوار الفلسطيني الشقيق بأنه يقهر و يتقهقر ، وكان لجيشنا العربي المصطفوي – الأردني الباسل المغوار بحضور ومشاركة قائد المعركة الميداني البطل المرحوم مشهور حديثة الجازي الدور الأساس في صناعة النصر، و تقديم 74 شهيدا عسكريا تقدمهم الشهيد الملازم خضر شكري صاحب نداء ( الهدف موقعي ) ، و للمقاومة الفلسطينية البطلة ( فتح و وقوات التحرير الشعبية ) حينها الدور المساعد ،و بتقديم 101 شهيدا ، وتشكلت نقطة تحول هامة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي منذ عام 1948 تجاه السلام الأردني – الإسرائيلي عام 1994 ، و بموافقة إسرائيل، و العربي – الإسرائيلي المتتابع ، و تكرار النصر في تشرين عام 1973 و بمشاركة عسكرية أردنية شجاعة تقدمها خالد هجهوج المجالي ، وصلت إلى نتيجة تحرير مساحات كبيرة من مدينة القنيطرة الجولانية ، بينما كان الهدف المصري و السوري و الأردني الأوسع تحرير الجولان – الهضبة العربية السورية ، و شبه جزيرة سيناء المصرية التي حررت بقوة السلام عام 1979 .
و الكرامة – من أكناف بيت المقدس ،و تحتضن منطقتها أضرحة الصحابة عليهم السلام ( أبي عبيدة عامر بن الجراح ، و شرحبيل بن حسنه ، و معاذبن جبل ، و ضرار بن الأزور. وهي منطقة زراعية بإمتياز، و سلة غذاء الأردن ، وتاريخ معركتها يرتبط بتسلسل محطات القضية الفلسطينية العادلة منذ قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ، و احتلال فلسطين التاريخية عام 1948 ، مرورا بحرب عام 1967 الخاسرة ، التي قادها القرار القومي من جانب العرب ، و رفضها بداية الملك الراحل الحسين و الشهيد وصفي التل لغياب التوازن العسكري وقتها، لكن الغلبة في قرار الحرب كان للقومية العربية في مصر و في سوريا .و استمرت المقاومة الفلسطينية في حراكها السري تناهض الاحتلال الإسرائيلي و تنادي بدحره علنا . وتحججت إسرائيل بحادثة عملية ( بيت فوريك ) الفدائية قرب نابلس ، و بإنفجار جنوب النقب بتاريخ 18 /أذار / 1968 ، و هو الأمر الذي دفع برئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي أشكول لإثارة احتجاجه في الكينست ،و تقديم شكوى بحق الأردن في مجلس الأمن بسبب أنه لا يتدخل و لا يفعل شيئا . و استشعر الأردن التوجه العدواني الإسرائيلي استخباريا مبكرا ، و عمل على ترحيل المخيمات الفلسطينية القريبة من ميدان الكرامة تجاه عمق الأردن لحمايتها . وكان التنسيق بين قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة و التنظيمات الفدائية الشجاعة المرابطة عالي الشأن ، وهو المطلوب مع تعالي حدس المعركة .
لم تكن معركة الكرامة بتاريخ 21 / أذار محدودة المساحة ، فانتشرت بين الساعة 5،30 و 11،30 ،و امتدت لتشمل ( العارضة ، و سويمه ، و غور الصافي ) ، و أدار الجيش الأردني و بالتعاون مع العمل الفدائي الفلسطيني المعركة بذكاء لتفادي الخلل في التوازن العسكري خاصة على مستوى سلاح الجو ، و تمكنا استخباريا من التمييز بين الإنزال الأردني و الإسرائيلي المقابل المخادع بلباس الجيش الأردني و لباس الفدائيين الفلسطينيين . و أعتمدت المغر مراكزا لقيادة الجيش ،و اعتمد العمل الفدائي سياسة الحرب الفدائية – الكر و الفر - ، وهجوم المشاه الانتحاري الذي اشترك فيه الجندي و الفدائي معا ، بينما قدم الجندي الإسرائيلي لطرفنا مكبلا بالسناسل وسط مدرعاته خوفا من الفرار . و تلقت إسرائيل خسارة كبيرة على مستويات السياسية، و العسكرة ، و اللوجستيا .وتكرر نصر الأردن و العرب إلى الأمام في تشرين عام 1973 .
و السابع من أكتوبر 2023 البطولي ورغم انتقاده من قبل المجتمع الدولي بسبب مفاجأة إسرائيل بكارثة تسببت في مقتل أكثرمن ألف عسكري و مستوطن ، و رغم انتقاده حتى من بعض قيادات حماس مثل موسى أبو مرزوق لهول الخسارة البشرية ( أكثر من 47 ألف شهيد فلسطيني ، ومن بينهم 17 ألف فلسطيني شهيد ، و غيرهم من اللبنانيين ، طفل فلسطيني شهيد ، و غيرهم بعد وقف اطلاق النار بحجم 500 شهيد فلسطيني ) ، وماله علاقة بالبنية التحتية العمرانية لقطاع غزة ، إلا أنه عبر عن الضمير الفلسطيني و العربي منذ احتلال فلسطين التاريخية عام 1948 مرورا بالاحتلال الثاني عام 1967 ، و العدوان الإسرائيلي النازي المتكرر على قطاع غزة ،و الضفة الغربية ، و جنوب لبنان ، و التراشق مع اليمن . وشكل في المقابل حالة أردنية تشبه " الكرامة الثانية " بعد تصريح وزير الخارجية السيد أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحفي مع وزيرة خارجية ألمانيا - أنالينا بيربوك - بتاريخ 5 سمبتمبر 2024 بأن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية تجاه الأردن يعني بالنسبة لنا أردنيا بمثابة إعلان حرب ، و خطاب العرش السامي لجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله أمام مجلس الأمة بتاريخ 18 / تشرين الثاني 2024 أشار بأن الأردن لا يغامر بمستقبله ، و يحافظ على إرثه الهاشمي ، و انتمائه العربي و الإنساني . و إعلان مصر بأن التهجير يعني لها وضع معاهدة كامب – ديفيد 1979 فوق الطاولة . و بطبيعة الحال الأردن باحث عن السلام كما مصر و الدول العربية ، و تنسيق دائم . و قرار الحرب كما قرار السلام عربي قومي ، و الحرب عادة تفرض علينا نحن العرب ، أما السلام فنختاره بأنفسنا أولا ، و هاهي قمة العرب في القاهرة 2025 انعقدت ، و نتمنى لمخرجاتها النجاح رغم انتقاد إسرائيل لها لأنها لا تناسب مشاريعها الاستعمارية ، الاستيطانية ، التهجيرية ، وهي التي أعلنت مخالفتها للقانون الدولي مجددا بمنع وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة ، و هو الذي انتقد عربيا عليه أيضا .
لقد تصدر خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني القمة العربية بقول جلالته بأنه و الأردن يقف مع حل الدولتين ، و بربط قطاع غزة بالضفة الغربية ، و برفض تهجير الفلسطينيين الاشقاء، و ربط وقف وصول المساعدات لغزة بمخالفة القانون الدولي . و اسناد عربي لمخرجات القمة تقدمها الزعماء العرب ،و الاعلان عن 53 مليار دولار يقدمها العرب لإعادة إعمار قطاع غزة و ابقاء الفلسطينيين في أماكن سكناهم تضمنت رسالة واضحة للرد على توجه إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية – دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين المواطنين في قطاع غزة ، أصحاب القضية العادلة و الوطن الفلسطيني الأصيل . و بالمناسبة فإن الضمير الفلسطيني و العربي يقر بفلسطين التاريخية وطنا للفلسطينيين إلى جانب فلسطين عام 1967 ، لكن سياسيا يقر كل العرب بحدود الرابع من حزيران ، و هو مطلب واضح لقمة العرب في بيروت عام 2002 الذي تقدمه تصريح هام للأمير / جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين – ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله تضمن المطالبة بسلام شامل مع إسرائيل مقابل إنسحاب كامل من حدود حزيران .
و الأردن المنتصر في حرب الكرامة عام 1968 و للفلسطينيين الأشقاء ، ينتصر من جديد لهم بين عامي 2023 و العام الحالي 2025 برفض تهجيرهم من القطاع و الضفة ،و يقدم المساعدات الإنسانية لهم دون كلل أو ملل ، أو منة لا سمح الله ، و شهد التاريخ المعاصر للأسناد الأردني للقضية الفلسطينية مشاركة جوية عسكرية مباشرة لجلالة الملك عبد الله الثاني لتوصيل المساعدات لأهلنا في غزة و بشجاعة قل نظيرها .
و جيشنا العربي الأردني الباسل أكثر قوة اليوم بعشرات المرات مما كان عليه عام 1968 ، وعلاقاته الدولية واسعة ومع حلف " الناتو " و روسيا الاتحادية ،و الجيوش العربية متطورة السلاح كذلك ، و لها علاقات دولية مشابهة ، و في المقابل ، فإن إسرائيل التي يرعبها قيام دولة فلسطين ، و تطالب حماس – حركة التحرر الفلسطينية المناضلة بالتخلص من سلاحها على غرار مطالبتها حزب الله التخلص من سلاحه ، تمتلك ترسانة نووية هي الوحيدة في المنطقة ، و سلاحا تقليديا ثقيلا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية و عموم الغرب ، و روسيا الاتحادية ، و علاقات جيوبولوتيكية متينة مع حلف " الناتو" .