مدار الساعة - السؤال: بعض الأشخاص يتنبؤون بالأحداث المستقبلية من خلال كتاباتهم أو شعرهم أو أقوالهم، البعض يستخدم هذا كمرجع، فهل الاستماع إليهم بنية أن الله تعالى وحده يعلم المستقبل؟ هل إذا وثق أحد بتنبؤاتهم يكون آثماً؟
الجواب: الحمد لله.
لا يغّرنك ارتداء هؤلاء للبدلاء او للنساء كما نرى.. فكل هذه عدة "النصب".
أولا: تنبؤ الشخص بالمستقبل هو من عمل الكُهَّان والعرَّافين، وهو من أعظم الذنوب وأكبرها، وليس من عمل المتدينين الصادقين، بل هو من أعمال شرك الجاهلية التي جاء الإسلام ليبطلها، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليبين أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى وحده.
ولا يجوز الاستماع إلى من يدعي التنبؤ بالمستقبل أو معرفة الغيب، فهو حرام حتى مع عدم تصديقهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم (2230).
وإتيان الكهَّان والعرافين المدعين معرفة المستقبل أو التنبؤ بأحداثها، والاستماع إلى كهانتهم: باب فتنة في الدين وشر وحيرة، حتى وإن لم يصدقهم.
قال النووي رحمه الله :"قال العلماء: إنما نُهي عن إتيان الكهان: لأنهم يتكلمون في مُغَيَّبات قد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، لأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان، وتصديقهم"، انتهى من "شرح صحيح مسلم" (5/ 22).
أما إذا وثق المستمع بتنبؤاتهم أو صدَّقها، فهو ذنب أشد، يصل إلى الكفر بالله، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهنًا أو عرَّافًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد"، رواه أحمد (9536)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5939).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالًا مجردًا؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتي عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله؛ فهذا كفر؛ لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ النمل/65 .
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله؛ فهذا لا بأس به، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ فقال: (ماذا خبأت لك)؟ قال: الدخ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك).
فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره؛ فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور، وهذا قد يكون واجبًا أو مطلوبًا"، انتهى من "القول المفيد" (2/49).
ثانيا:
أما استعمال هؤلاء الأشخاص للأحاديث النبوية في تنبؤهم بالمستقبل، فإن كان المقصود أنهم يستعملون الأحاديث الصحيحة التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن أحداث المستقبل، مثل فتن آخر الزمان وعلامات الساعة ونحو ذلك، فليس هذا من ادعاء علم الغيب المحرم، وإنما من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه.
لكن ينبغي الحذر من التوسع في استعمال أحاديث (فتن آخر الزمان) و(أشراط الساعة) و(الملاحم)، وتنزيلها على الواقع وترتيب عملٍ عليها، والأصل أن هذا لا يكون إلا للعلماء الراسخين الجامعين بين العلم بالشرع والعلم بالواقع، فإن أكثر أحاديث الفتن والملاحم ليست صحيحة، وأكثر الذي صحّ منها لا يترتب عليه عمل.
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن أحاديث الملاحم: "ما صح عندي منها شيء" انتهى، كما في "المنتخب من العلل للخلال" لابن قدامة (ص 301 ت. طارق عوض الله).
وقال أيضًا: "ثلاثة كتب ليس لها أصول"، فذكر منها: (الملاحم)، كما رواه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/162)، وقال الخطيب بعده: "وهذا الكلام محمول على وجهٍ، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة، غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها.
فأما كتب الملاحم: فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ مرضيَّة وطرقٍ واضحةٍ جلية"، انتهى.
والمقصود: أن معرفة صحة أحاديث الملاحم والفتن وأشراط الساعة، ثم معرفة معناها، لا يكون إلا للعلماء بالسنة وبشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم معرفة أنها تحققت في زمن سابق أو في زماننا، أو أنها ستتحقق في زمن لاحق، ثم معرفة هل يترتب على ذلك شيء من العمل أم لا: كل ذلك من وظيفة العلماء الراسخين، وقد حصل في كل ذلك أنواع من القول بغير علم والعمل بغير اتباع ولا هدى.
والله أعلم