لم يعد الغرب غربا بعد لقاء رئيس غرب أوكرانيا – رئيس دولة " كييف " فلاديمير زيلينسكي برئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في البيت الأبيض بواشنطن بتاريخ 28 فبراير 2025 ، و الخلاف الواضح و الصاخب الذي جرى بينهما حول الحرب الأوكرانية ، و تطاير الرأس الأمريكي عن الجناح الأوروبي ( الاتحاد الأوروبي ) بعد انقلاب أمريكا – ترامب على عهد جو بايدن في موضوعها ،و اختلف مع أوروبا بخصوصها ، لدرجة هددت بإنقسام حلف ( الناتو ) بعد اختلاف ترامب معه على موضوع خسائر الحرب الأوكرانية التي كلفت أمريكا لوحدها أكثر من 200 مليار دولار، بينما تكلفت أوروبا ب 150 مليار دولار ، و ذهب بعدها ترامب ليطالب زيلينسكي بتعويض ما دفعته أمريكا على الحرب الخاسرة مع روسيا بالإستثمار في المعادن الأوكرانية النادرة بحجم 500 مليار دولار .
لا تشبه أمريكا – ترامب التي سبقتها في عهد بايدن ، و لكل منها طريقته في الكاوبوي ،و التغول على أركان العالم من وسط حراك احادية القطب المناهض لتعددية الأقطاب التي تقودها روسيا الاتحادية العظمى ، ورغم ملاحظة الفروقات الكبيرة بين الديمقراطيين و الجمهوريين ، إلا أن وجه الشبه لازال ماثلا في القضية الفلسطينية ، وتهديد ستيفن ويتكوف مبعوث الأدارة الأمريكية لحماس عبر نصحها بمتابعة ما يحدث للحوثيين غير لائق، وما يتعلق بالحوثيين في اليمن ، بينما انحصر الإختلاف بينهما على الملف الأوكراني . و أوروبا التي انشطرت عن أمريكا في الموضوع الأوكراني ، لازالت متأثرة في نهج الكاوبوي الأمريكي ، و تصريح سابق للرئيس ترامب أشار فيه بأن أمريكا هي التي تحمي أوروبا في حلف " الناتو " ، و ليس العكس ، معطيا رسالة لأوروبا بأن أمريكا هي القائد ، و بأن لا وزن لأوروبا من دون أمريكا . و تصريح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بدعوة أوروبا لتشكيل جيش يواجه روسيا ، و تخويفها من زحف روسي محتمل تجاه أوروبا حمل معنى لا يستحق التوقف عنده ، و قوله بأن إرسال قوات لحفظ السلام لأوكرانيا أمر سيادي أوكراني لا شأن لروسيا به ، يخالف تصريح للرئيس الأمريكي ترامب الذي أكد فيه أهمية أخذ رأي روسيا به تماما مثل أوكرانيا ، و يعبر عن عنجهية غير مسبوقة لماكرون الذي تردد على( موسكو) أكثر من مرة وعلى ( كييف ) للتوصل إلى سلام بينهما عبر الحوار .
وما زاد الطين بلة كما نقول في شرقنا العربي ، هو تصريح رئيس وزراء بريطانيا - كير ستارمر- خلال لقاء افتراضي له مع الاتحاد الأوروبي مؤخرا و بمشاركة الرئيس زيلينسكي عن بعد ، حول الهدنة التي اقترحتها أمريكا في جدة بين روسيا و أوكرانيا لمدة شهر ، قال فيه بتعالي بأن بوتين سيأتي إلى طاولة المفاوضات عنوة بعد الأستمرار بحماية أوكرانيا " كييف " ، و تزيدها بالسلاح ، و عبر فرض سلام القوة ، متناسيا ، بأن القوة التي استخدمها الغرب مجتمعا ومثل 50 دولة غربية و شمال غربية فشلت بعد أكثر من ثلاث سنوات من عدوانها غير المباشر و بالسلاح الثقيل و المسيرات الألكترونية على روسيا، و سوف تفشل إلى الأمام ، و روسيا بالمناسبة دولة عظمى تحتل الرقم 1 في العسكرة النووية ، و البحرية ، و متميزة في العسكرة التقليدية ، و الفضائية ، و يصعب على الغرب اجبارها على توقيع سلام متسرع تماما كما وصف السلام الروسي – الأوكراني المقترح يوري أوشاكوف كبير مستشاري الرئيس بوتين و قصر " الكرملين " بالسلام المتسرع . و سبق للمملكة المتحدة – بريطانيا أن هددت كما هددت فرنسا – ماكرون السلاح بالسلاح النووي ضد روسيا ، و ردت عليهما موسكو بصرامة ، مذكرة فرنسا بنابليون ، و بريطانيا حال اعتدائها النووي بأنها ستصحو و تجد ذاتها وسط البحر .
السلام الروسي – الأوكراني و تحت المظلة الأمريكية ودخول أوروبا على خط الأزمة بإنحياز لنظام أوكرانيا الغربية يجب أن لا يأتي متسرعا تماما كما يريد ذلك الرئيس بوتين ، و الجانب الروسي المنتصر في الحرب ، و الذي لم يبدأ الحرب يحق له فرض شروطه السيادية ، و على الجانب الخاسر للحرب مثل العاصمة " كييف " و الغرب القبول بسلام الأمر الواقع ، وهم من بدأوا الحرب . و روسيا عبر التاريخ المعاصر و العميق أكثر حرصا على سيادة أوكرانيا من الغرب لو استمعت لنداءات موسكو من خلال اتفاقية " مينسك " 2015 ، و حوار أنقرة 2022 . و الحمد لله الذي جعل أمريكا – ترامب تقلب طاولة الحرب لصالح روسيا و تكشف أوراق النظام الأوكراني الذي غرر به الغرب الأمريكي ، خاصة بريطانيا – باريس جونسون ،و أمريكا – جو بايدن بسبب حرصهما على ديمومة الحرب الباردة ، و سباق التسلح مع روسيا وعبر استنزافها و محاصرة نهوضها على كافة المستويات .
وفي المقابل ، فلقد انتقدت روسيا عبر وزير خارجيتها سيرجي لافروف الهجوم الأمريكي على العاصمة اليمنية " صنعاء " بقصد استهداف الحوثيين ، و بعد مكالمة معه أجراها وزير خارجية أمريكا – ماركو روبيو – مستأذنا البدء بالهجوم ، بعد إعلان الصداقة الأمريكية – الروسية في المملكة العربية السعودية 20 فبراير 2025، بينما استهدفت أمريكا المواطنين اليمنيين المسالمين . و المعروف هو بأن الهجوم الصاروخي الحوثي اليمني على السفن الإسرائيلية و الأمريكية جاء ردا على حرب الإبادة المشتركة التي ارتكبتها إسرائيل بحق مواطني قطاع غزة وتحت غطاء أمريكي غربي ممنهج ،و ثأرا له . و مؤسسات غربية هدفت لتخفيض تعداد سكان العالم بعد استغلال الأزمات و الحروب ،و انسحبت على جنوب لبنان ، و الان على اليمن . و اليمن كلها ، وليس الحوثيين فقط ، وكل الشعوب العربية ، و الدول العربية أيضا اشتاطت غضبا جراء المجزرة الإسرائيلية في غزة تحديدا غير المبررة . و يربط الحوثيون هجومهم الصاروخي الذي لازال مستمرا حتى الساعة على السفن الإسرائيلية و الأمريكية في البحر الأحمر و بحر العرب حتى يتم رفع الحصار عن قطاع غزة ، مما يعني بأن سسب الهجوم الحوثي واضح و عادل و هو مرتبط بسلوك إسرائيل ومعها أمريكا السلبي بحق الشعب الفلسطيني الشقيق المناضل و المظلوم ، و حتى ينتهي احتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة .و دعوة موسكو لواشنطن لأعتماد لغة الحوار مع الحوثيين أصابت كبد الحقيقة ، وهو المطلوب .
تلويح و تلميح الولايات المتحدة الأمريكية بأن حربها ضد الحوثيين بعد حربها على قطاع غزة عبر إسناد إسرائيل في حربها غير المبررة التي لم توازي السابع من أكتوبر 2023 بعدالة ، و تجاوزت الحدود ووصلت لمستوى جريمة الحرب ، بالتوجه لاستهداف إيران خطاب أمريكي في غيرمكانه ، وكل ماله علاقة بمشروع إيران النووي السري مراقب استخباريا دوليا ، ومنع تطويره يأتي بالحوار على الطريقة الروسية و ليس بالعنف الأمريكي ، و إيران في ميزان قوة النار لاتقارن بقوة الحوثيين العسكرية . و الحوثيون ذراع لإيران كما حماس و الجهاد و حزب الله . و التحرش الأمريكي بإيران مصدره إسرائيل . و لاتوجد دولة في منطقة الشرق الأوسط تخشى قنبلة إيران النووية مثل إسرائيل ، و بطبيعة الحال ، فإن مشروع إيران النووي مرفوض دوليا بسبب راديكالية إيران و هيجانها وعدم اتزانها بمستوى دول النادي النووي التي تمتلك خطا ساخنا مانعا للحروب ، وفي مقدمتها الحرب العالمية الثالثة التي ترفضها روسيا الاتحادية العظمى و الولايات المتحدة العظمى أكثر بكثير من الاتحاد الأوروبي .
انتصار روسيا في الحرب الأوكرانية ، و هي التي تمتلك زمام التاريخ الأوكراني و ارتباطه بمثله الروسي ، و خسران الغرب الأمريكي في عهد الرئيس السابق جو بايدن للحرب الأوكرانية و لعدم عدالة دوره فيه درس تاريخي يدرس في المدارس العسكرية و السياسية الدولية . واختلاف بوصلة السياسة بين روسيا الاتحادية العظمى و الولايات المتحدة الأمريكية العظمى رغم انطلاق ماراثون الصداقة الاستراتيجية بينهما حديثا ، خاصة حول إيران ، الأصل أن يتم الالتفات إليه بجدية ، و أخذ العبر السياسية بعيدة المدى منه .