كيف يمكن لدولة بحجم الأردن أن تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى دون جهاز مصرفي قوي وراسخ؟ ما الذي مكّن هذا القطاع من لعب دور ريادي في دعم قطاعات حيوية كالصحة والتعليم؟ الإجابة تكمن في متانة النظام المصرفي الأردني، الذي أثبت عبر العقود الماضية قدرته على التأقلم والتطور، حتى بات ركيزةً أساسيةً في دعم التنمية الوطنية. إن مبادرة البنوك الأردنية بتخصيص 90 مليون دينار لدعم قطاعي الصحة والتعليم على مدار ثلاث سنوات، والتي تم الإعلان عنها من جمعية البنوك بحضور رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي، ليست مجرد التزامٍ عابر بالمسؤولية الاجتماعية، بل تمثل نموذجاً عملياً على أن قوة الاقتصاد لا تُقاس فقط بالأرقام والنسب، بل بمدى قدرة مؤسساته على تحمّل مسؤولياتها تجاه المجتمع، فهذه المبادرة جاءت كنتيجة طبيعية لتطور القطاع المصرفي الأردني، الذي حقق تقدماً ملموساً في التصنيفات الائتمانية الدولية، ما منحه مرونة أكبر للتحرك والمساهمة بفاعلية في المشاريع التنموية. التحسن في التصنيف الائتماني للبنوك الأردنية ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة جهود مستمرة في تعزيز الحوكمة وتطوير الأطر التشريعية التي أشرف عليها البنك المركزي الأردني، فهذه السياسات الفعّالة لم تسهم فقط في رفع كفاءة البنوك، بل جعلتها قادرة على تمويل مشاريع كبرى تخدم المجتمع مباشرة، فالاحتياطات الأجنبية القياسية، التي تجاوزت 21 مليار دولار، تعكس صلابة هذا الجهاز وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية، بما في ذلك تمويل مشاريع تنموية حيوية دون الإخلال باستقرار السوق المالي. إن تخصيص 90 مليون دينار لدعم قطاعي الصحة والتعليم يحمل في طياته أبعاداً اجتماعية عميقة، فهذه القطاعات تُعدّ ركيزة أساسية لأي مجتمع يسعى للنمو والاستقرار، إذ إن بناء مدارس ومرافق صحية متطورة يعني توفير بيئة تعليمية وصحية تليق بالمواطن الأردني، وتواكب الطلب المتزايد على هذه الخدمات الأساسية. ما يُميز هذه المبادرة أنها ربطت التمويل بمراحل الإنجاز الفعلي، لضمان تنفيذ المشاريع وفق أعلى معايير الجودة وبما يضمن الالتزام بالجدول الزمني المحدد. ولا يمكن تجاهل أن هذه المبادرة تأتي امتداداً لمبادرات سابقة تعكس التزام البنوك الأردنية بمسؤوليتها الاجتماعية، ففي العامين الماضيين، أطلقت جمعية البنوك الأردنية مبادرةً أخرى لدعم جهود وزارة التنمية الاجتماعية، بهدف تمكين الوزارة من توسيع نطاق خدماتها للفئات المحتاجة في المجتمع، وهذا النهج المستمر في تقديم الدعم يعكس وعياً عميقاً من القطاع المصرفي بضرورة الاستثمار في الإنسان كجزءٍ لا يتجزأ من دوره الاقتصادي والوطني، ناهيك عن المسؤولية الاجتماعية لكل بنك بشكل منفصل. لقد تمكنت البنوك الأردنية من تحقيق مستويات رأسمال مرتفعة تفوق المعايير الدولية، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 18 % في نهاية عام 2024، متجاوزةً بذلك الحد الأدنى المقرر من البنك المركزي الأردني ولجنة بازل III، إضافةً إلى ذلك، بلغت السيولة القانونية للبنوك ما يقارب 145 %، ما يُعزز ثقة المستثمرين ويمنح هذه المؤسسات القدرة على مواصلة دعم المشاريع الإنتاجية والرائدة. المسؤولية الاجتماعية لا تُقاس فقط بحجم الأموال التي تُنفق، بل بمدى تأثير هذه المبادرات على تحسين حياة المواطنين وتعزيز النمو الاقتصادي، لذلك فإن نجاح هذه المبادرة دليل واضح على أن البنوك الأردنية لا تعمل بمعزل عن المجتمع، بل تُدرك تماماً أن استقرارها ونموها مرتبطان بشكل مباشر بازدهار البيئة التي تعمل فيها. في المحصلة، أثبتت البنوك الأردنية أن مسؤوليتها تتجاوز الحسابات المالية، فهي شريك حقيقي في بناء المستقبل، وجزء لا يتجزأ من مسيرة الأردن نحو تحقيق تنمية مستدامة تلبي تطلعات أبنائه وبناته.