حتى اليوم؛ قناعتي ثابتة وتتعزز، فالتطبيقات البرمجية كلها غير موثوقة بالنسبة لي، ما لم أطلع على نسختها «البرمجية» الأصلية، وهو أمر يفهمه مبرمجو الكمبيوتر فقط، حتى مهندسي الكمبيوتر لا يعرفونه، لكنهم قد يملكون جزءا من حقيقته، أعني تلك المتعلقة بالدوائر الكهربائية وبعض القطع المصنعة لغايات محددة، إنما المبرمج هو الذي يفهم أن أية برمجية يمكن أن تقوم بأعمال لا يعرف المستخدم عنها شيئا، لماذا أقول هذا الآن؟ ..نعم؛ المسألة سياسية أيضا علاوة على أنها ثقافية وأمنية، ولها كل العلاقة بتضليل الناس واستخدامهم وتوظيفهم للعمل لدى الشركات دون أن يشعروا، ولعل الجانب السياسي والتضليلي هما أهم ما أريد الحديث عنه.
الفيسبوك؛ وغيره من التطبيقات العالمية الرائجة، والتي أصبحت بمثابة بيئات للتأزيم لدى المجتمعات متواضعة الثقافة بالتكنولوجيا، والتي تعاني أيضا من ثقافات قديمة تزخر بقناعات منقرضة، يعود أصلها الى تلاشي الوعي.. ويكون الأمر مؤسفا حقا حين تلجأ المؤسسات الحكومية الى هذا الفضاء الموبوء، وتحاول مزاحمة ومبارزة الجهل المتفشي، وهذا يتجلى بتوجه كثير من المؤسسات الى ما يسمونه «وسائل التواصل الاجتماعي»، باعتبارها الخبر والمبتدأ، وهناك يكون الشخص والمؤسسة بمأمن من الضياع، يجاري العصر ويصبح نجما !.
لن أتحدث كثيرا، لكنني سأورد مثالا عن الحكومة نفسها، التي توجهت الى هذا الفضاء بلا دراسة، وهي بهذا التوجه كرست حالة اللاوعي واللاثقافة لدى كثير من المستخدمين الذين هم مواطنون، فطرحت القضايا العامة والفعل الحكومي على الملأ، وقامت «وهو الأهم» بتمويل هذه الأخبار من المال العام، لتصل الى أكبر شريحة ممكنة من الناس، ولم تلتفت إلى ردود أفعال الناس على أخبارها، ولم يرد في حسبانها بأنها تبني حالة مستعصية من المعارضة وتروج لعدم الثقة بينها وبين هؤلاء الناس.
صادفني أكثر من «إعلان ممول» يحمل خبرا حكوميا، وتوقفت قليلا عند بعضها، واطلعت على تعليقات الناس على مثل هذه الأخبار التي يتم تمويلها من المال العام، وقلت لنفسي «هذه هي المنصات التي تحدث عنها المسؤولون للتواصل مع الناس، فهل تعززت الثقة جراء هذا التواصل؟»..
وجدت مئات وربما آلاف التعليقات من الناس، ينتقدون فيها الحكومات وكل شيء، وهي السمة المعروفة عن 99 % ممن يستخدمون هذه الوسائل والتطبيقات، فكلهم يظهرون بمظهر الغاضب، غير المستعد لتغيير قناعته، بل غير مستعد أن يستقبل شيئا بخصوصها، هو «يرسل» فقط، ولا مكان لديه لحوار بناء أو استعداد لتغيير رأي مهما كان حجم الرأي الآخر وأهميته، ومهما كان رأيه متطرفا او غريبا!..حالة نفسية تتعاظم، وتفقد الناس وعيهم وثقافتهم وهيبتهم، وهي التي نلاحظها في تعليقاتهم على أخبار الحكومة على فيسبوك وغيره، شتائم وانتقادات وانعدام ثقة وسخرية وتهديد ووعيد..كل هذا تقرأه في التعليقات على أخبار الحكومة ومؤسساتها..انها حالة تبعث على التساؤل عن جدوى التواصل مع الناس ما دامت هذه هي النتائج!
الحكومة؛ وأية جهة تقدم خبرها، هي معنية بالدرجة الأولى بتوصيل المضامين المفيدة للناس، وشرح الخبر وأهمية ما يتضمنه من توجه أو قرار أو معلومة، أي أن الهدف تنويري، ويصبح مقدسا لو تمكنت تلك الجهد من تنوير الناس وتغيير قناعاتهم وتوضيح القضايا والمواقف لهم، لكن الذي يحدث هو العكس تماما، ونظرة واحدة الى أي خبر «ممول من حسابنا» تكفي، وتؤكد ما أذهب إليه من اعتراض على هذا الأسلوب في نقل الأخبار وعرضها على الناس، فهل أصبح حصاد الشتائم والانتقادات غرضا في السياسة؟
أنتم لا تحتاجون فنيين لتصميم صور وطبع نصوص جامدة بينها، أنتم بحاجة لإعلام وطني محترف وملتزم، يرتقي بالوطن والناس والدولة ومؤسساتها.
أوقفوا هذا، واتركوا هذه المنصات، ولا تدفعوا قرشا واحدا من أجلها..
الدستور