عقدت مؤتمرات دولية عديدة تحت عنوان «إعادة الإعمار»، تتعلق بالخراب والدمار الهائل الذي لحق بدول عربية، نتيجة حروب أهلية أو غزو خارجي أو بسبب الحروب والاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على بعض الأقطار العربية، والآن نحن أمام استحقاقات ملحة ومستعجلة، لإعادة إعمار دول ومناطق عربية أهمها قطاع غزة وسوريا ولبنان، بالإضافة الى السودان وليبيا واليمن، التي تشهد حروبا أهلية طاحنة بين قوى ومليشيات متعددة مدعومة من أطراف خارجية.
وربما الأكثر صعوبة من إعادة إعمار البيوت والمرافق التي دمرت، هو بناء الإنسان الذي تعرض خلال فترة الحرب الى عمليات تحطيم نفسي وجسدي وتهجير ونزوح قسري، وما نتج عن ذلك من كوارث انسانية واجتماعية!
التقديرات الأولية لإعادة إعمار غزة وسوريا ولبنان تزيد عن 550 مليار دولار، وهذا مبلغ هائل ليس من السهل الحصول عليه، وبطبيعة الحال سيكون مصدر هذه المبالغ مساعدات ومنح خارجية، ستكون أولا عربية وخاصة من دول الخليج، بالاضافة الى قروض ومنح دولية تقدمها صناديق ودول أجنبية.
ومن المهم الإشارة إلى أمر جوهري بشأن تقديم هذه المساعدات والمنح والقروض، ذلك أنها ستكون مشروطة فالدول ليست جمعيات خيرية، ويمكن التذكير بفترة أعقبت حرب حزيران عام 1967، حيث كانت بعض الدول العربية النفطية، تقدم مساعدات مالية تحت عنوان دعم الصمود، لدول الطوق العربية المحيطة بدولة الاحتلال، لكن هذا النمط من المساعدات لم يعد متاحا اليوم، فثمة شروط يفرضها من يساعد في إعادة الإعمار!
وبشأن المساهمة في إعادة إعمارقطاع غزة، ثمة متطلبات وشروط تتعلق بمستقبل القطاع أو ما يسمى اليوم التالي «للحرب» على القطاع ومستقبل سلاح المقاومة، وهذه الشروط تضعها الدول المانحة، خاصة وأن القطاع تعرض لحروب عديدة منذ عام 2008، وتم إعادة عماره أكثر من مرة، لكن ليس بحجم الدمار الهائل الذي تعرض له خلال الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر – تشرين الأول 2023، ولا تزال تداعياتها متواصلة حتى الآن، والأسوأ من ذلك أن من يمسك بعصب عملية إعادة الإعمار،. هو اسرائيل التي دمرت القطاع والولايات المتحدة الاميركية، الداعم الرئيس لدولة الاحتلال بل والشريك في الحرب!
وبالنسبة للبنان ثمة شروط ربما تكون أصعبوأكثر تعقيدا، للحصول على مساعدات إعادة الإعمار تضاف الى تعقيدات المشهد اللبناني، الذي يعاني من انقسامات داخلية ذات طابع طائفي وسياسي، وهذه الشروط تتعلق بنزع سلاح حزب الله، والقيام باصلاحات سياسية جوهرية، بعد سنوات طويلة من غياب مؤسسات وأدوات الدولة الحقيقية، والأن أصبح لبنان رهينة لـ«وصاية خارجية» بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار، من قبل حزب الله بوساطة رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث خضع لبنان بعد الحرب المدمرة التي تعرض لها، الى رقابة دقيقة من قبل لجنة عسكرية، يترأسها جنرال اميركي ويساعده ضابط فرنسي، وهي معنية بوضع آليات تطبيق القرار رقم 1701، وأهمها نزع سلاح حزب الله، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتفسير ماذا يعني القرار المشار اليه، هل يشمل جنوب الليطاني أم أيضا شمال الليطاني.
أما سوريا فان شروط إعادة الإعمار لا تقل صعوبة، فهي أولا تخضع لعقوبات دولية قاسية، فرضت على النظام السابق لكنها لا تزال موجودة، وتنعكس سلبا على حياة الشعب السوري، ومن بين الشروط المعقدة للمساعدة في إعادة الإعمار، التدخل الخارجي في الحياة السياسية لسوريا الجديدة، وكيفية ادارة شؤون البلاد وتشكيل حكومة تشمل مختلف مكونات الشعب السوري العرقية والطائفية، و"شماعة الأقليات» التي تزعم دول الغرب الحرص عليها!
ومن المهم توفير بيئة مناسبة لاستقطاب الاستثمارات الخارجية، في لبنان وسوريا وقطاع غزة، وأهم عناصر هذه البيئة الاستقرار السياسي والأمني.
Theban100@gmail.com