لمن لا يعرف مدينة " كورسك " الروسية بداية ، فهي محاددة لأوكرانيا من جهة جنوب روسيا و شمال أوكرانيا ، و تتموضع على نهر " سييم " ، و تحتل من المساحة 190 كيلومترا ، و تعدداد سكانها أكثر من 440 ألفا ، وهي مدينة صناعية ، و تعليمية ، و ثقافية . و شكلت جزءا من تاريخ الحرب العالمية الثانية و غزو الجيش الألماني النازي لها في الأعوام (1941 / 1943) ،و تأثرت بالحرب تلك حتى عام 1945 عبر معركة ( قوس كورسك ) ، وتحمل لقب مدينة المجد العسكري ، وهي مدينة بطلة . ومنذ صيف العام الماضي 2024 ،ووسط الحرب الأوكرانية ،و التي حملها عنوان كتابي ( الروسية الأوكرانية و مع الناتو بالوكالة ) عام 2022 ، وهي التي عكست اصطدام العملية الروسية العسكرية الخاصة الدفاعية التحريرية منذ تاريخ 24 شباط 2022 مع الجيش الأوكراني الذي يدعمه حلف " الناتو " ، اجتاحت فرقة عسكرية أوكرانية مدينة كورسك متسلحة بمعدات و لوجستيا غربية و بمساعدة الأقمار الصناعية كما يبدو ، بهدف اختراق المعركة ، و التأسيس مبكرا لمقايضة المدينة بجزء من الأراضي التي حررتها روسيا حال توقيع السلام ، و شملت شرق و جنوب أوكرانيا مثل ( القرم ، لوغانسك ، و دونيتسك " الدونباس " ،و زاباروجا و خيرسون ) . وهي المدينة التي حظيت بزيارة عسكرية لرئيس روسيا الاتحادية القائد الأعلى للجيش الروسي فلاديمير بوتين ، و شجعت على المضي في تحريرها كاملة .
وهي خطوة و عملية عسكرية استخبارية أوكرانية – غربية غبية لم تحمل بعد نظر ، و اجهتا روسيا المنشغلة على جبهة الحرب الأوسع ، و التي واجهت فيها ، و لازالت تواجه 50 دولة غربية لوحدها ، بذكاء عسكري منقطع النظير وبعد نظر ، و انتظرت ساعة الصفر منتصف شهر أذار 2025 لتحاصر الفرقة الأوكرانية العسكرية وتطلب منها الاستسلام و ترك السلاح و التوجه للأسر لضمان حياة جنودها و ضباطها من دون المقدرة على جر المعدات العسكرية الثقيلة تجاه غرب أوكرانيا .
عملية تحرير مدينة " كورسك " الروسية بطولية حقا لم يعرف تاريخ الحروب المعاصرة مثيلا لها ، وهي شجاعة و ذكية ، و تطلبت الصبر الطويل و المغامرة الخطيرة بهدف تطويق الفرقة العسكرية الأوكرانية المتواجدة فوق الأراضي الروسية ، و هي الورقة السياسية التي استخدمها الغرب ليظهر الجانب الأوكراني الغربي بقيادة فلاديمير زيلينسكي منتصرا ،و قادرا على توقيع سلام المنتصر " السرابي " ، و هو من ورط بلاده في حرب غير محتاجة لها ، و أعاق السلام قبل ذلك الذي قدمته له روسيا من خلال اتفاقية " مينسك" عام 2015 على طبق من ذهب ، و التي ماطل في تنفيذها الرئيس الأوكراني الأسبق بيترو باراشينكا ، و شاركت فيها ( روسيا ، و بيلاروسيا ، و ألمانيا ، و فرنسا ) . لقد اجتازت القوة الروسية العسكرية الخاصة و المكونة من 800 عنصرا مثلوا مجموعات – أيدا – و القوات الخاصة الشيشانية " أحمد " المحترفة و المتميزة على مستوى العالم ، و( ف . د. ف )، و عبروا معا مواسير للغاز الروسي- الأوكراني بعد تفريغها من الغاز و تعبئتها بالأوكسجين طولها 15 كيلومترا ، و تمكنوا من النجاح في تحقيق التفاف على القوة الأوكرانية الغازية . وبعد مراسلات بين نظام أوكرانيا- زيلينسكي الذي يناور بكافة الاتجاهات السياسية و العسكرية ، و بعد خسرانه الحرب التي بدأها عبر انقلاب " كييف " و الثورات البرتقالية عام 2014 ، و بالتعاون مع الاستخبارات الغربية ، البريطانية في عهد باريس جونسون ، و الأمريكية في عهد جو بايدن ، بعث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلب فيها مراعاة حياة العكسريين الأوكران الواقعين داخل الحصار الروسي العسكري لضمان حياتهم الخاصة . و أجاب الرئيس بوتين على رسالة ترامب برسالة متلفزة أوضح فيها بأن حياة عسكر أوكرانيا وتعدادهم كبير مرهونة بتسليم أنفسهم في كورسك ، و لتركهم لسلاحهم في موقع المعركة . و من يلبي نداء موسكو وبعد احترام مخاطبة الرئيس ترامب لسيادته ، سوف يحافظ على حياتهم وفقا للقانون الروسي و للقانون الدولي و معاهدة جنيف ، و خلافا لذلك روسيا تعتبرهم إرهابيين أياديهم ملطخة بالدم الروسي ، و لا بد لهم من أن ينالوا العقاب .
وكما مثلت " كورسك " مخرجا للسلام في الحرب العالمية الثانية ، و أسست لبناء الأمم المتحدة بقانون عام 1945 ، و لكي لا تتكرر الحروب ، و في مقدمتها العالمية مثل " الثالثة ، شكلت الحرب الأوكرانية و بالتعاون الخاطيء مع حلف " الناتو الغربي المعادي لروسيا حربا عالمية جديدة تقليدية السلاح شاركت فيها من جانب الغرب 50 دولة ، و هاجت وماجت بإتجاه احتمال حدوث حرب عالمية نووية ، مدمرة للحضارات والبشرية لولا توفر الخط الساخن بين روسيا الاتحادية العظمى و الولايات المتحدة الأمريكية العظمى ، و سط مراوغات رئيس دولة " كييف " فلاديمير زيلينسكي- الفنان الكوميدي و المراهق سياسيا ، بعد خسران أوكرانيا شرقها و جنوبها ، و المرشحة لخسران مصادرها الطبيعية النادرة الثمينة في جناحها الغربي التي تتطلع إليها أمريكا – ترامب لتعويض ما صرفته على الحرب بمبلغ وصل إلى 350 مليار دولار ، و يصل المبلغ إلى 500 مليار دولار مع الفوائد .
لو كان زيلينسكي عاقلا و محبا لوطنه أوكرانيا لشابه مسار الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكا ، أو الرئيس الكازاخي قاسم توقاييف مثلا ، وكان بإمكانه أن عمل على أن تحافظ أوكرانيا على علاقة استراتيجية دافئة منذ استقلالها عام 1991 ، بدلا من التحليق الفنتازي حول حلف " الناتو" و محاولة الدخول إليه بسرابية ملاحظة . وكان مطلوبا من زيلينسكي أن يقرأ تاريخ بلاده أوكرانيا ، قبل أن يذهب لبدء حرب مع روسيا العظمى صاحبة الرقم 1 في السلاح النووي ، وفي مجال العسكرة و البحرية و الفضاء . يقول التاريخ كما قرأ لنا من صفحاته الرئيس فلاديمير بوتين ، بأن أوكرانيا قبل الثورة البلشفية 1917 لم تكن حاضرة ، و بعد انضمامها للاتحاد السوفيتي أصبحت وطنا ، وهي بالكامل هدية فلاديمير لينين ، و جوزيف ستالين ، و نيكيتا خروشوف – زعماء الاتحاد السوفيتي في تلك الحقبة الزمنية . و العاصمة " كييف " هي من بدأت الحرب ، و اتفاقية إنهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 منعت الدول المستقلة من عقد تحالفات عسكرية معادية ، و طالبتها بالحيادية ،وحسن الجوار . ومادة ميثاق الأمم المتحدة 751 خولت روسيا الاتحادية بالدفاع عن سيادتها جراء تطاول الجانب الأوكراني عليها عبر حرب دموية مست المكون الأوكراني و الروسي الديمغرافي شرق أوكرانيا بهدف ضمه قسرا للعاصمة " كييف " راح ضحيتها بداية أكثر من 14 ألف مواطن و شرد غيرهم . وكان بإمكان السلام الروسي – الأوكراني أن يتحقق بوساطة تركية في أنقرة عام 2022 أيضا .
اللقاء الروسي – الأمريكي الأول في المملكة العربية السعودية بتاريخ 20 فبراير 2025 وعلى مستوى وزراء الخارجية و كبار المستشارين (سيرجي لافروف ، يوري أوشاكوف ، ماركو روبيو ، مايك ولتر ، فيصل بن فرحان ) ، مهد لترطيب العلاقات الروسية – الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و التي دمرها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن .و جاء اللقاء الأمريكي – الأوكراني التالي في السعودية بحضور وزير الخارجية ماركو روبيو و الرئيس فلاديمير زيلينسكي لفتح ملف الحرب الأوكرانية و سبل سدل الستارة عنها ووضع حد لها عبر الاعلان عن هدنة لمدة 30 يوما ، ردت عليها موسكو – بوتين برسالة جوابية حملها مبعوث الرئيس ترامب لموسكو ستيف ويتكوف تضمنت شروط روسيا لتثبيت ضمانات أمنية بعيدة المدى و استراتيجية في مقدمتها ابعاد أوكرانيا عن حلف " الناتو " ، و التزامها بالحياد ، وعدم تكرار الحرب من طرفها ، و التوجه لتعاون ثنائي مجددا ، و التعاون مع الغرب في مجال الغاز الروسي ، وكلها من شأنها أن توقف الحرب الباردة و سباق التسلح . وفي الختام هنا ، فإن الجانب الذي لم يبدأ الحرب و المنتصر مثل روسيا ، هو من يوافق على السلام بشروط ، وما على الجانب الأوكراني الغربي إلا أن يوقع سلام الجانب الخاسر لها أفضل بكثير من خسران كامل البلاد الأوكرانية الواسعة و الهامة.