بدأت قصة ومسيرة العلاقات السوفيتية بقيادة روسيا الفدرالية مع الجمهورية العربية السورية بصعود حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة في دمشق بعد انقلاب الحركة التصحيحية وقدوم الرئيس حافظ الأسد عامي 1970 و 1971 ، ولم تبدأ قبل ذلك في عهد صلاح جديد 1963 -1970 ، و لا حتى في عهد الملك فيصل الأول 1918- 1920 ، و تجددت العلاقات الروسية – السورية عام 2000 بعد وفاة حافظ الأسد ، و استمرت حتى عام سقوط نظام بشار الأسد عام2024 ، و تتجه لفتح صفحة جديدة مع سوريا أحمد الشرع ، خاصة بعد زيارة ميخائيل بغدانوف لدمشق الجديدة بتاريخ 28 – يناير – 2025 ، و التي حملت هدف تعزيز العلاقات الروسية – السورية ،و لتثبيت وجود قاعدتي حميميم و طرطوس الروسيتين العسكريتين بعقد و شروط جديدة استراتيجية جديدة .
و رتبت القيادة السورية الجديدة أوراقها السياسية للانتقال من الثورة – ثورة تحرير الشام بقيادة جبهة النصرة معلنة عدم ارتباطها الكامل و النهائي مع تنظيم القاعدة منذ عام 2017 ، واتجهت لتنظيف سوريا من فلول نظام الأسد ، و فتحت السجون وفي مقدمتها سجن " صيدنايا " المرعب ، و للإعداد لدستور سوري جديد ، و انتخابات برلمانية و رئاسية جديدة ، و للمحافظة على علاقات حميدة مع الداخل السوري ، و مع دول الجوار العربي ، و الإقليمي ، و على مستوى العلاقات الدولية الكبيرة المتوازنة ، مطالبة إسرائيل في ذات الوقت الإلتزام بالقانون الدولي و مغادرة الأراضي العربية السورية و العربية المحتلة منذ عام 1967 ، وهو مطلب لقمة العرب في بيروت عام 2002 في عهد الأمير/ الملك لاحقا عبد العزيز بن عبد الله رحمه الله ملك المملكة العربية السعودية ، علما بأن القومية العربية تؤمن وجدانيا بعروبة فلسطين التاريخية كاملة . وجاءت القمة العربية في القاهرة بتاريخ 4 أذار 2025 لتعزز الدور السوري وسط العرب . ووصف الشرع العلاقات السورية – المصرية تحديدا بجناحين لطائر واحد ، وهو الأمر الذي ينسحب على كل البلاد العربية تحت جناح الوحدة العربية التي نادى بها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه انطلاقا من ثورته العربية الهاشمية الكبرى عام 1916 من مشارف مكة .
و رغم قبول روسيا الاتحادية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد و عائلته بما في ذلك شقيقه ماهر الأسد ، و منحهم اللجوء الإنساني ،و جوازات سفر روسية ، و اقرار- وئام وهاب – الوسيط السابق اللبناني السري بين إسرائيل و ماهر الأسد بترحيل نظام بشار الأسد 130 مليار دولار لروسيا ،و مبالغ أخرى إلى سويسرا ، إلا أن الفرقة الرابعة السورية بقيادة ماهر الأسد ، و حاليا بقيادة اللواء - غياث دلا - لم تعد تثق بالدولة الروسية التي تسعى لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية المتنوعة مع سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع ،و لهذا السبب تصرفت عسكريا في الساحل السوري لوحدها و بالتعاون مع فصائل عديدة راديكالية متطرفة ، و مع جهات خارجية تشبه إيران و حزب الله ، بهدف اسقاط نظام أحمد الشرع ، لكنها سرعان ما فشلت فشلا ذريعا ، و أصبح بعدها من المستحيل تكرار محاولة الانقلاب على نظام الشرع الجديد خاصة بعد توحيد صفوف قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) ذات الطابع الكردي مع جيش الدولة السورية تحت التأسيس في دمشق .
النظام السوري السابق البائد المنهار لم يتمكن من تحقيق نجاحات لسوريا الوطن على مدى 55 عاما ، ماعدا محاولة تحرير الجولان – الهضبة العربية السورية المحتلة بقوة السلاح و النار عام 1967 و بجهد أردني ، و مصري ، و عراقي ، و بنتيجة أضفت إلى تحرير مساحات واسعة من مدينة القنيطرة الجولانية ، تمكنت إسرائيل مجددا من السيطرة عليها و على جبل الشيخ مستغلة ظرف انهيار النظام السوري الأسدي في دمشق و قدوم نظام سوري جديد تحت التأسيس .و مجزرة مدينة حماة بحق الأخوان المسلمين عام 1982 في زمن حافظ الأسد وسط سوريا بالقرب من نهر العاصي شمال دمشق العاصمة مؤشر سلبي مقابل عاقبته الثورة عليها بحرق ضريحه في مسقط رأسه في القرداحة شمال سوريا .و رفض انصياع بشار الأسد للديمقراطية في بلاده سوريا ،و ابعاده للمعارضة عن الحكم مؤشر سلبي أخر متجدد ،و تعقيد علاقات سوريا مع العالم العربي و دول العالم الأبعد مؤشر ثالث ، و فتح السجون للأبرياء أمر كارثي أيضا . وعدم مقدرة نظام بشار الأسد على تحرير الجولان بقوة السلاح أو بقوة السلام من المؤشرات السورية المستغربة وقتها ، و ضربات إسرائيل المتكررة لسوريا و للعاصمة دمشق في زمن كان فيه الجيش العربي السوري جيشا صلبا ، أمر مدهش ، و الأستقواء بإيران و روسيا لم يحمي سوريا من إسرائيل بسبب أن لكل دولة منهما حسابات سيادية خاصة . و حاليا سوريا الشرع معذورة كونها كدولة تنتقل من الثورة إلى المدنية و تحت التأسيس .
حادثة الساحل السوري (اللاذقية ، طرطوس ، ريف حماة الغربي ) الانقلابية مرعبة حقا ، و أطاحت بأعداد كبيرة من المواطنين السوريين الأبرياء ، و يقدر عددهم بألف مواطن أو أكثر ، وتم في سوريا الجديدة عقد لجنة تحقيق قانونية ، و الأعلان بأن سوريا دولة قانون ، و لن تسمح للخارجين عن القانون بالتمادي و التطاول على حياة بسطاء الناس . و تصريح يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الذي مس فيه شخصية الرئيس أحمد الشرع متهما إياه بأنه استبدل ثوبه ببدلة و قدم وجها معتدلا ، وخلع القناع ، و بأنه إرهابي من مدرسة القاعدة يرتكب أفعالا ضد المدنيين ، و بأن إسرائيل جاهزة للدفاع عن دروز جنوب سوريا ، في غير مكانه ، و غير لا ئق ، وكل العالم يعرف في المقابل بأن إسرائيل كيان إرهابي على شكل دولة ، وهي عدوانية ،احتلالية ، استيطانية ، توسعية ، و غير شرعية ، أسستها منظمات إرهابية عديدة مثل ( الهاجاناه ، و شتيرن ، و الأرغون ) في عمق الزمن المعاصر .
يتعجب الرئيس السوري المهذب و المعتدل دينيا أحمد الشرع وهو يطل من شرفة قصر قاسيون على دمشق التاريخ و العراقة ، حيث كان الرئيس الهارب بشار الأسد يدير سوريا من هناك ، و كيف أساء لبلده سوريا ، و لشعبه السوري العظيم ، بينما كان يملك مثل هكذا قصر و غيره الكثير ؟ و الشرع جاد في توجهه لإعادة بناء سوريا لكي تصبح لكل السوريين ،ولكل العرب ، و لكل من يزورها من الأجانب ،و الأصل أن يعطى فرصة كافية في الإعمار الوطني ، و المطلوب في المقابل عدم الأصغاء للترويج الإعلامي الصهيوني المغرض ضد نظام هيئة تحرير الشام التي تحولت من العسكرة إلى الحياة المدنية ، و تحتاج لمزيد من الوقت لترسيخ البناء الوطني السوري المطلوب ، و لبناء علاقات سورية متينة مع العرب ، و الإقليم ، و دول العالم ، بعيدا عن كل أنواع الفوبيا الإعلامية المضادة .
وهنا أيضا ما يمكنني قوله ، بأن الرئيس الشرع لم يؤكد طلبه من موسكو تسليم سوريا بشار الأسد ، و لا حديث في نفس السياق بما يخص ماهر الأسد ، و الأمر كله متروك لزمن العلاقات السورية – الروسية ، و المحادثات التي ستجري إلى الأمام . و بكل الأحوال يعتبر الأمر هذا من المسائل الصعبة و المعقدة في اطار العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين عبر التاريخ المعاصر ، و استراتيجيا إلى الأمام و لزمن طويل بين سوريا و روسيا العظمى ، الدولة و القطب ، قائدة توجه عالم متعدد الأقطاب بنجاح و شجاعة .