في اليوم العالمي للمرأة، تتجلى أهمية تسليط الضوء على دورها الحيوي في مكافحة الفساد، فهي ليست مجرد ضحية، بل شريك أساسي في بناء مجتمعات نزيهة.
تمتلك المرأة قدرة فريدة على ترسيخ قيم النزاهة والشفافية، ابتداءً من الأسرة وصولًا إلى مواقع العمل والقيادة. فهي تساهم في تنشئة أجيال تؤمن بالقيم الأخلاقية، وترفض الفساد بجميع أشكاله. وتبدأ هذه العملية من الأسرة، حيث تغرس الأم في نفوس أبنائها قيم الصدق والأمانة والمسؤولية، وتنشئهم على احترام القانون ورفض الظلم. ولا يقتصر دور المرأة على التربية والتنشئة، بل يمتد إلى مختلف جوانب الحياة العامة. فالمرأة العاملة في القطاع العام أو الخاص تساهم في تعزيز ثقافة النزاهة في مكان العمل، من خلال التزامها بالقواعد والأنظمة، ورفضها لأي ممارسات فاسدة. كما أن المرأة القيادية في المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية تلعب دورًا هامًا في وضع السياسات والبرامج التي تعزز الشفافية والمساءلة، وتحد من فرص الفساد.
تؤدي مشاركة المرأة في المؤسسات الرقابية والمعنية بمكافحة الفساد إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، وتقديم منظور مختلف قائم على العدل والمساواة في اتخاذ القرارات والإشراف على تنفيذ السياسات العامة. فالمرأة، بحكم طبيعتها، تميل إلى أن تكون أكثر حرصًا على تطبيق القانون، وأكثر حساسية تجاه قضايا العدالة والمساواة. وقد أثبتت الدراسات أن وجود المرأة في مواقع صنع القرار يزيد من فرص اتخاذ قرارات رشيدة، ويقلل من فرص اتخاذ قرارات فاسدة. كما أن المرأة تميل إلى أن تكون أكثر استعدادًا للإبلاغ عن حالات الفساد، وأكثر جرأة في مواجهة الفاسدين.
تلعب المرأة دورًا هامًا في فضح الفساد عبر وسائل الإعلام المختلفة، حيث تقوم الصحفيات والناشطات بتسليط الضوء على قضايا الفساد وكشف المخالفات، مما يساهم في زيادة الوعي المجتمعي بهذه القضايا. فالإعلام هو أداة قوية في مكافحة الفساد، والمرأة، بحكم قدرتها على التواصل والتأثير، يمكنها أن تلعب دورًا حاسمًا في هذا المجال. وقد أثبتت العديد من الصحفيات والناشطات العربيات قدرتهن على كشف قضايا الفساد، ومواجهة الفاسدين، رغم التحديات والصعوبات التي يواجهنها. تواجه المرأة العديد من التحديات في مجال مكافحة الفساد، مثل التمييز والتحيز وعدم المساواة في الفرص، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالوصول إلى المعلومات والموارد.
فالمرأة، في العديد من المجتمعات، لا تزال تعاني من التهميش والإقصاء، ولا تحصل على الفرص المتكافئة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. كما أن المرأة تواجه تحديات خاصة في مجال مكافحة الفساد، مثل التهديد والتشهير والابتزاز، خاصة إذا كانت تعمل في مجال الإعلام أو في المؤسسات الرقابية.
لتعزيز دور المرأة في مكافحة الفساد، يجب تمكينها اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وتوفير فرص متكافئة لها في التعليم والتدريب. كما يجب تشجيع مشاركتها في المؤسسات الرقابية ودعم دورها في الإعلام. وتوفير الحماية القانونية لها وتغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع. إن تمكين المرأة وتعزيز دورها في مكافحة الفساد ليس فقط ضرورة أخلاقية، بل هو أيضًا ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. فالمجتمعات التي تمنح المرأة حقوقها وفرصها كاملة هي المجتمعات التي تحقق أعلى مستويات النزاهة والشفافية.