ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني كلمة مهمة خلال القمة العربية الطارئة التي عُقدت في القاهرة لمناقشة تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ومستقبل القضية الفلسطينية. جاءت هذه الكلمة في سياق إقليمي متوتر، حيث يواجه الفلسطينيون ظروفًا إنسانية قاسية، ويتعرض حل الدولتين لمزيد من التهديدات. حملت كلمة الملك رسائل واضحة للداخل الفلسطيني، للمنطقة، وللمجتمع الدولي، وسلطت الضوء على قضايا رئيسية، مثل رفض التهجير، ودعم السلطة الفلسطينية، ووقف التصعيد في الضفة الغربية، والتأكيد على حل الدولتين.
أولًا: الرسائل السياسية والدبلوماسية
1. رفض التهجير ودعم إعادة إعمار غزة
أكد الملك عبد الله الثاني موقف الأردن الثابت ضد أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، سواء من غزة أو الضفة الغربية. هذه الرسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى الحكومة الإسرائيلية، التي سعت خلال الحرب إلى دفع سكان غزة نحو سيناء، وهو أمر يرفضه الأردن بشكل قاطع لما له من تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية والمنطقة. كما شدد الملك على أهمية إعادة إعمار غزة بجدول زمني واضح، وهي دعوة موجّهة للمجتمع الدولي لضمان عدم استمرار معاناة الفلسطينيين بعد الحرب.
2. دعم جهود السلطة الوطنية الفلسطينية
في سياق الصراع الداخلي الفلسطيني، أشار جلالته إلى ضرورة دعم جهود السلطة الفلسطينية في الإصلاح وإدارة غزة، مشددًا على أهمية وجود تصور واضح يربط غزة بالضفة الغربية. هذه الرسالة تستهدف الفصائل الفلسطينية وتشجيعها على التعاون مع السلطة الفلسطينية وعدم تكرار سيناريو الانقسام السياسي الذي أضعف الموقف الفلسطيني. كما أنها رسالة للمجتمع الدولي بأن الأردن يدعم وجود سلطة فلسطينية موحدة قادرة على قيادة المرحلة المقبلة.
3. وقف التصعيد في الضفة الغربية
ركز الملك على ضرورة منع تصاعد التوتر في الضفة الغربية، خاصة خلال شهر رمضان، محذرًا من محاولات الحكومة الإسرائيلية اليمينية استغلال الأوضاع الأمنية لفرض مزيد من الإجراءات القمعية بحق الفلسطينيين. هذا التحذير يحمل بعدًا استراتيجيًا، حيث يدرك الأردن أن أي تصعيد في الضفة قد يؤدي إلى انفجار شامل يُعرقل أي جهود لتحقيق التهدئة في غزة أو إعادة إعمارها.
4. التأكيد على حل الدولتين
جدد جلالة الملك التأكيد على أن حل الدولتين هو الخيار الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم، في مواجهة محاولات إسرائيل فرض واقع جديد من خلال التوسع الاستيطاني والسياسات الأحادية. هذه الرسالة تستهدف القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لحثهم على عدم السماح لإسرائيل بعرقلة مسار حل الدولتين، الذي يمثل المخرج الوحيد من دوامة العنف.
ثانيًا: الأبعاد الإنسانية والاقتصادية
إلى جانب الجوانب السياسية، ركز الملك على الوضع الإنساني في غزة، داعيًا إلى إطلاق جهد إقليمي ودولي فوري لتوفير الإغاثة للسكان، وإعادة بناء البنية التحتية. هذه الدعوة تتجاوز البعد السياسي، حيث تعكس التزام الأردن الإنساني تجاه الفلسطينيين، وهو التزام تعززه الجهود الأردنية المستمرة في إرسال المساعدات الطبية والإغاثية إلى غزة.
كما أن الملك وضع إعادة الإعمار في سياق أوسع يتعلق بالاستقرار الإقليمي، حيث شدد على ضرورة وضع خطة متكاملة لا تقتصر على البناء المادي، بل تشمل إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وتعزيز الحوكمة الرشيدة.
ثالثًا: الدلالات الإقليمية والدولية
1. دور الأردن كصوت قيادي في القضية الفلسطينية
تعكس كلمة الملك الدور المحوري الذي يلعبه الأردن في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية على المستوى الإقليمي والدولي. فالأردن ليس مجرد وسيط في النزاع، بل هو طرف أساسي بحكم مسؤوليته عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ودوره التاريخي في دعم الحقوق الفلسطينية.
2. رسالة إلى المجتمع الدولي
وجه جلالته رسالة واضحة إلى القوى الكبرى، مفادها أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياساته القمعية لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار. كما أكد على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في وقف العدوان الإسرائيلي، ودعم حل الدولتين كحل عادل ومستدام.
3. التنسيق مع الدول العربية
جاءت الكلمة في إطار تنسيق أوسع بين الأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر، حيث تسعى هذه الدول إلى بلورة موقف عربي موحد بشأن غزة، وإيجاد حلول تمنع تكرار سيناريو الدمار دون معالجة جذرية للأزمة.