هل يؤرخ التاريخ حقا أن لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي كان نقطة التحول في النظام العالمي؟
كان هذا السؤال مضمون أول تعليق لافت من ساسة أوروبيين على القمة العاصفة والمشحونة بين الزعيمين والتي انتهت بطرد زيلينسكي من البيت الأبيض الذي جاء إليه للتوقيع على اتفاقية إذعان يسلم بموجبها ثروات بلاده من المعادن الثمينة لواشنطن.
تلك الليلة عرف العالم مع أي نوع من القيادة سيتعامل في السنوات الأربع المقبلة، وربما أدرك كثيرون أن موازين القوى الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية في طريقها للانجراف لحساب نظام جديد فوضوي وغير معهود، ولا يخضع للقواعد المعهودة في علم السياسة، بل لمنطق رئيس حاد المزاج، لا يكتفي بالصفقات منهجا لتحديد علاقته مع الحلفاء، وإنما بإضافة بعد شخصي على المعادلة.
زيلينسكي ورغم ما تحمل من إهانات جارحة أمام العالم كله، ظل جالسا في غرفة جانبية بالبيت الأبيض على أمل أن يستدعيه ترامب لتوقيع اتفاقية المعادن المذلة، لكن الأخير الذي كان يهدر غضبا، مما اعتبره إهانة من ضيف ضعيف مثقل بالجميل لأميركا، قرر إضاعة الفرصة وعدم التوقيع على الاتفاقية، مفضلا تأجيلها إلى يوم آخر يأتي فيه زيلينسكي صاغرا ونادما على ما فعل.
قادة أوروبا شعروا بالفزع والخوف أكثر من زيلينسكي، واعتبروا لحظة مغادرة زيلينسكي مطرودا من البيت الأبيض، بمثابة إعلان أميركي بانفراط العقد التاريخي بين أوروبا والولايات المتحدة.
وبالنسبة لهم أصبح كل ما جمع الطرفين على مدار عقود طويلة في مهب الريح.
الأوروبيون لايقرأون ما حصل مع زيلينسكي بمعزل عن حزمة من الإجراءات الجمركية بحقهم، والتهديدات بانسحاب واشنطن من حلف الناتو، والأخطر من ذلك كله الانحياز الصارخ من طرف إدارة ترامب لسردية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيال الصراع في أوكرانيا، والعلاقة مع أوروبا التي تخشى خطط الدب الروسي بعد التهام أوكرانيا.
ليست أوروبا وحدها من تخشى الانقلاب الأميركي على الحلفاء، كل حلفاء الولايات المتحدة في العالم، سيواجهون فترة من المتاعب والقلق، جراء أسلوب القيادة الفوضوي هذا، والذي اختار منظرو الترامبية أن يسموه"السلام بالقوة".
لكن ثبت بالممارسة في الفترة القصيرة من عمر هذه الإدارة أن إدارة ترامب تخطط لتطبيق هذا النهج على الحلفاء قبل الأعداء، لا بل إنها تفضل استبدال الشركاء التاريخيين بالخصوم على المقلب الآخر من العالم.
على كل حال أوروبا تدفع ثمن ضعفها، واتكالها التاريخي على الحليف الأميركي، ونهجها المغامر في إدارة الصراع مع روسيا، واعتماد مقاربة كارثية في التعامل مع أزمة أوكرانيا قائمة على الحل العسكري والمواجهة مع موسكو، بدلا من نهج الدبلوماسية الذي افتقدته في هذه الأزمة.
أما ترامب، فسيعد ما حصل في البيت الأبيض مع زيلينسكي درسا للأروبيين وسواهم من الحلفاء الغربيين، فإما القبول بالمعادلة الجديدة للعلاقة التاريخية أو فك الارتباط لتترك أوروبا وشأنها، تواجه وحدها التبدلات العالمية، وتحديات العلاقة مع روسيا وربما الصين أيضا، ففي الأفق صفقة قد نشهدها بين العملاقة الثلاثة؛ أميركا وروسيا والصين.
السؤال المهم حاليا، ما الذي ينتظر الشرق الأوسط بعد أوكرانيا؟