في سياقٍ يستدعي الإدانة الدولية، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياساتها التصعيدية المنتهِكة للقانون الدولي، عبر شقّين خطيرين: الأول يتمثل في حصارها المُطبق على قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، والثاني في تدخلها السافر في الأراضي السورية تحت ذريعة حماية الطائفة الدرزية، التي رفضت بدورها هذا التدخل وأكدت تمسكها بهويتها السورية ووحدة أراضي البلاد.
منذ عام 2007، فرضت إسرائيل حصاراً برياً وبحرياً وجوياً مشدداً على قطاع غزة، تحوّل مع الوقت إلى أداة عقاب جماعي ضد مليونَي فلسطيني، وفقاً لتقارير منظمات دولية. لكن قرار الاحتلال بمنع دخول المساعدات الإنسانية، بما فيها الغذاء والدواء والوقود، بلغ ذروته مع العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، ما تسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعيش 80% من سكان غزة تحت خط الفقر، ويعاني نصفهم من انعدام الأمن الغذائي، بينما انهارت الكثير من المستشفيات بسبب القصف والتدمير الممنهج لأبنيتها وبناها التحتية اضافة إلى نقص الإمدادات الطبية والكهرباء.
القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، يُجرّم الحصار الذي يستهدف المدنيين ويُستخدم كأداة حرب، إذ تنص المادة 33 على حظر العقوبات الجماعية. كما يُلزم القانون الدولي إسرائيل، بوصفها قوة محتلة، بتسهيل وصول المساعدات. ومع ذلك، تتذرع السلطات الإسرائيلية بـ«الأسباب الأمنية» لتبرير حصارها، بينما تحوّل غزة إلى سجن مفتوح، حيث تُنتهك أبسط حقوق الإنسان تحت شعارات زائفة.
على الجبهة السورية، تتكرر الانتهاكات الإسرائيلية تحت عنوان آخر، يتمثل في الادعاء بحماية الطائفة الدرزية في مرتفعات الجولان المحتلة ومناطق سوريّة أخرى. ففي السنوات الأخيرة، نفذت إسرائيل غارات جوية واجتياحات برية متكررة داخل الأراضي السورية، مُستغلةً حالة الحرب الأهلية، بحجة «منع التهديدات» أو «حماية الأقليات». لكن الطائفة الدرزية، التي تُعدّ جزءاً أصيلاً من النسيج السوري، رفضت هذا التدخل جملةً وتفصيلاً.
فقد أصدر شيوخ العقل الدروز وممثلوهم السياسيون بياناتٍ واضحة، أبرزها بيان «مجلس الطائفة الدرزية في السويداء» الذي أكدوا فيه أن «الدروز سوريون حتى النخاع، ورفضهم لأي تدخل أجنبي هو دفاع عن سيادة الوطن». كما عبّرت مظاهرات شعبية في مدن مثل السويداء وصلخد عن رفض المجتمع الدرزي لاستغلال اسمهم لتبرير العدوان، مؤكدين أن أمنهم مرتبط بأمن سوريا الموحدة.
كما أعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط «أن لا مستقبل للدروز إلا بالحاضنة السورية.. وأن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى مشروع تخريبي في سوريا ويستهدف الأمن القومي العربي.. وأن الذين وحدوا سوريا أيام سلطان باشا الأطرش لن يستجيبوا لدعوات الاحتلال المشبوهة».
التدخل الإسرائيلي يُشكّل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة، الذي يُحرّم استخدام القوة ضد سلامة الأراضي الوطنية (المادة 2/4)، كما أنه يتناقض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة القرار 497 الذي يرفض ضم الجولان السوري. ورغم ذلك، تواصل إسرائيل توسيع مستوطناتها في الجولان، مستفيدةً من صمت دولي مشبوه.
الممارسات الإسرائيلية في غزة وسوريا تؤكد نمطاً ثابتاً من السياسات العنصرية التوسعية، التي لا تستند إلا إلى منطق فرط القوة، وتتجاهل الشرعية الدولية وإرادة الشعوب. ففي غزة، الحصار جريمة تستهدف كسر إرادة الفلسطينيين وتنقض الاتفاقات الأخيرة مع الفلسطينيين بشأن هدنة غزة وتبادل الأسرى، بينما يعد التدخل في سوريا محاولة لتمزيق الوحدة الوطنية. لكن رفض الدروز الواضح، وصمود الغزيين، يُذكّران العالم بأن الاحتلال مهما طال، فإن إرادة الحياة والحرية أقوى، وعليه فقد آن الأوان لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، قبل أن تدفع المنطقة ثمناً أعلى لصمت المجتمع الدولي على جرائم الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية المسعورة والمستمرة والمتصاعدة ضد دول وشعوب المنطقة.