أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مستثمرون جاهات واعراس دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

المهندسة هنادي العموش ترثي والدها في الذكرى السادسة عشرة لوفاته.. رحل النور من حياتي

مدار الساعة,مناسبات أردنية
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة - كتبت: المهندسة هنادي العموش - 2009/3/2… يومٌ لن أنساه ما حييت، يومٌ تحطّم فيه قلبي، وانطفأت فيه روحي، وتلاشى الأمان من حياتي،لم أكن أعلم أنني سأسمع صوتك للمرة الأخيرة، لم أكن أعلم أن كلماتك تلك كانت وداعًا متخفّيًا بثوب الحب والاشتياق…… كان يناديني كما اعتاد: “يا قرة عيني”، ويغني لي: “يا ناس أحبه وأحب أسمع سواليفه”. وكأنه كان يريد أن يخبرني كم يحبني قبل أن يرحل…كنتُ بعيدة… كنتُ في سدني، وهو في عمّان، لكن صوته كان يحتضنني رغم المسافات.
رنّ الهاتف، نعم كنتُ في سدني، نعم كنتُ بعيدة عنك يا أبي، لكن صوتك كان قريبًا، يحتضنني كما لو أنك بجانبي.كان صوتك دافئًا كما عهدته، لكن فيه شيء لم أستطع تفسيره حينها… “يا قرة عيني، كيفك؟ طمنيني عنك وعن عمورة، مشتاق لكم جدًا… افتحي الكاميرا خليني أشوفكم”، كنتَ مشتاقًا بطريقة غريبة، أطلتَ الحديث على غير العادة،كأن قلبه كان يخبره أن هذه الكلمات و النظرات ستكون الأخيرة… تحدثنا طويلًا، خططنا لأيام قادمة، لو كنتُ أعلم أنها كانت وداعًا، لجعلتُ الحديث بلا نهاية… خططنا لأيامٍ قادمة، لمستقبلٍ لم يأتِ أبدًا… ولم أكن أعلم أنني كنتُ أعيش آخر لحظات صوتك، آخر مرة أسمع فيها “يا قرة عيني” من فمك الطاهر…، ولم أكن أعلم أنها كانت وصيته الأخيرة.
أغلقتُ المكالمة… ولم أكن أعلم أنني أغلقتُ آخر نافذةٍ لي عليك… لو كنتُ أعلم، لما أغلقتها أبدًا……!
وفي ذلك اليوم، وقع الحادث… دخلتَ في غيبوبة لم تستيقظ منها أبدًا… وأنا؟ كنتُ أبحث عن صوتك، كنتُ أفتقدك، كنتُ أتصل بك مرارًا، لكنك لم تعد ترد… لم أكن أعلم أن الحياة كما عرفتها ستنقلب رأسًا على عقب…سألتُ أمي، سمعتُ صوتها المرتجف يقول: “نحن بخير”،لكن شيئًا في صوتها كان يكشف ما لا تستطيع الكلمات قوله…
قلبي شعر بأن شيئًا ليس بخير…
وفي منتصف ليلةٍ موحشة، رنّ هاتف زوجي… كانت أمي على الطرف الآخر:
“لا تخبر هنادي بشيء، لا نريدها أن تأخذ الصدمة هكذا…”
لكن الليل كان هادئًا، كانت تحاول أن تبعدني عن سماع الخبر، وكأن الدنيا توقفت لتجعلني أسمع كل شيء…أبي ليس بخير، أبي في غيبوبة، حالته حرجة…
كيف لي أن أستوعب هذا؟ كيف لي أن أصدق أن أبي، حصني المنيع، قد سقط فجأة في غيبوبة ولم يعد يفتح عينيه؟
لا أدري كيف حملت نفسي إلى المطار، لا أدري كيف تحملتُ 17 ساعة سفر والدموع تحرق وجهي، وقلبي يصرخ بين ضلوعي… لم أفكر إلا فيك، لم أرد شيئًا من هذه الدنيا سوى أن أراك، أن تسمعني، أن تعود إليّ…
وصلتُ عمّان، وصلتُ المدينة الطبية، وجدتُ مئات الوجوه تنتظرني، لكنني كنتُ أبحث عن وجهٍ واحد… وجه أبي.كنتُ أبحث عنك وحدك، عن أبي الذي كان صوته يحتضنني رغم البعد، عن الذي كنتُ أرى فيه الدنيا كلها… كنتُ أمشي خطوةً للأمام وخطوةً للخلف، جسدي يرتعش، وقلبي ينهار، فقدتُ الوعي ثلاث مرات قبل أن أصل إليه، كنتُ خائفة من رؤيته بلا حياة، بلا صوت، بلا ضحكته التي كنتُ أعرفها…… وحين رأيته، كان يسمعني، لكنه لم يكن قادرًا على الكلام… فقط الدموع كانت إجابته لي…
يا وجع القلب… حتى في وداعه، لم يستطع أن ينطق بحرف، فقط الدموع كانت بيننا…
وبعد أيام، في ليلة الإثنين، 2009/3/2، توقف قلبك عن النبض لكنه لم يتوقف في قلبي، ولم يتوقف الألم منذ ذلك اليوم…، رحلتَ وتركتني وحدي… رحل من كان يناديني “يا قرة عيني”، رحل من كنتُ أحتمي في صوته، وأستظل بروحه، وأشعر بالأمان في وجوده… رحل من كان الدنيا كلها لي…، رحل من كان يرى فيّ الدنيا بأكملها، ومن كنتُ أرى فيه الأمان، الحنان، السند… رحل وترك في قلبي فراغًا لا يملؤه شيء…
الغربة حرمتني من لحظة الوداع، من حضنه الأخير، من قبلةٍ كنتُ سأطبعها على جبينه قبل أن يرحل… الغربة أخذت مني كل شيء، لكنها لم تأخذ مني وجعي عليه… بل حرمتني أيضًا من قبلته لي، تلك القبلة التي كانت تشعرني بالدفء والحنان غير المنقطع، كأنها كانت تربط روحي بروحه، وتمنحني طمأنينة الكون بأسره.
اللهم ارحم أبي بقدر شوقي إليه، وبقدر الدموع التي سقطت لفراقه، وبقدر الأيام التي مرت دون صوته وضحكته.
اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وافسح له فيه، ونور مرقده، وأسكنه فسيح جناتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وسّع عليه قبره، واجعله روضةً من رياض الجنة، وأره مقعده من الفردوس الأعلى، حيث لا وجع، ولا غربة، ولا ألم.
اللهم اجمعني به في مستقر رحمتك، حيث اللقاء لا فراق بعده أبداً…
16 سنة ولم أذق طعم السعادة كما كانت بوجودك، 16 سنة وأنا أفتقد حضنك وضحكتك وحديثك الذي كان يملأ قلبي دفئًا وأمانًا.
كم أشتاق إليك يا فقيد قلبي، يا قطعةً من روحي رحلت ولم تعد…أحتاج حضنك الذي لم أرتوِ منه قبل رحيلك.
رحمك الله يا قطعةً من روحي لا تعوّض، وجعل لقاءنا في جناته لقاءً لا فراق بعده أبداً…
اللهم في هذه الأيام المباركة، ارحم والدي، واغفر له، وأنِر قبره، واجعل الجنة داره وقراره. اللهم اجمعني به في الفردوس الأعلى، وأسقه من حوض نبيك شربةً لا يظمأ بعدها أبدًا. آمين
مدار الساعة ـ