لا جدال في أن الجهات الحكومية هي المسؤولة عن سلامة المنتجات المتداولة في السوق، بينما يتحمل المستثمر الكلفة المالية لأي مشروع استثماري، بما في ذلك أسطوانات الغاز البلاستيكية المركبة التي أُجيزت مؤخراً.
ورغم أن الحديث عن الأسطوانات البلاستيكية ليس جديداً، إذ تم طرحه سابقاً ثم تجميده، فإنه عاد اليوم ليشغل الرأي العام مجدداً، لكن وسط هذا الجدل، السؤال الأهم ليس أيهما أفضل، الحديدية أم البلاستيكية، بل بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية في قطاع الطاقة وتغيير منظومة توزيع الغاز بالكامل وتنفيذ مشروع شبكة توزيع الغاز.
في الحقيقة، لا يمكن إنكار وجود الأسطوانات البلاستيكية في أسواق العديد من دول العالم بجانب " الحديدية، لكن يبقى انتشارها محدودا، ولا تشكل حلا جوهريا في قطاع الطاقة، كما أن المواطن ليس ملزما باستخدامها، إذ يبقى له حرية الاختيار بين البلاستيكي والحديدي، لكن الأهم من ذلك، أن النقاش حول نوعية الأسطوانة لا يجب أن يطغى على القضية الأكبر وهو تنفيذ مشروع شبكة توزيع الغاز الطبيعي، الذي يعد خطوة إستراتيجية طال انتظارها، وكان من المفترض أن يبدأ في مدينتي عمان والزرقاء كمرحلة أولى، ثم يتم تعميمه على باقي المحافظات. هذا المشروع، الذي تقدر قيمته بـ537 مليون دولار، يهدف إلى توفير إمدادات غاز منخفضة التكلفة للمستهلكين، مما يسهم في تعويض ارتفاع أسعار الوقود التقليدي، ووفقاً للخطط المعلنة، سيتضمن إنشاء شبكة أنابيب رئيسية بطول 61 كيلومتراً، تزود المنازل والقطاعات التجارية والصناعية والسياحية والنقل بالغاز الطبيعي بشكل مباشر.
إن إنجاز هذا المشروع لا يعني فقط تحسين كفاءة الطاقة، بل أيضاً تقليل الاعتماد على الأسطوانات التقليدية بكل ما تحمله من تحديات لوجستية ومخاطر تشغيلية.
دعم أسطوانات الغاز يكلف الخزينة 80 مليون دينار سنويا، وهو مبلغ يمكن توجيهه لإنجاز شبكة الغاز، التي ستوفر بديلاً أكثر استدامة، وستقلل من تكاليف الطاقة على المستهلك مقارنة بأسطوانات الغاز المسال المدعومة، وغاز التدفئة، والديزل، كما أن الشبكة ستساهم في تقليل الانبعاثات الضارة، بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية لتقليل البصمة الكربونية وتعزيز الاستدامة البيئية.
إلى جانب ذلك، فإن تطوير شبكة الغاز الطبيعي يمثل خطوة ضرورية لاستغلال الموارد المحلية، خصوصا في ظل الاكتشافات المتزايدة للغاز في حقل الريشة، والتي تحتاج إلى بنية تحتية جاهزة لنقل الغاز إلى المستهلكين، فهذه الاكتشافات ستظل غير ذات جدوى إذا لم يتم إنشاء أنبوب يربطها بالمناطق المستهلكة، ويدمجها ضمن شبكة الغاز العربي التي تمر عبر المملكة، مما يمكنها من تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة.
وبدلاً من الانشغال بتغيير شكل الأسطوانة، كان يجب أن يكون التركيز على تغيير جذري في طريقة توزيع الغاز، بحيث يكون متاحاً عبر شبكة مركزية آمنة ومستقرة، فالحكومة مطالبة اليوم بالتعامل بجدية مع مشاريع البنية التحتية للطاقة، والتأكد من قدرة الشركات على تحقيق الملاءة المالية، وتأمين مخزون إستراتيجي، وضمان استمرارية الإمدادات، بدلا من الدخول في جدل عقيم حول منتج تجاري لن يغير شيئا في المعادلة الكبرى.
إذا كان الهدف هو تحقيق أمن الطاقة وخفض التكاليف وتحسين الكفاءة، فإن الحل ليس في تغيير شكل الأسطوانات، بل في التحول نحو نظام توزيع أكثر ذكاء واستدامة، فالقضية ليست حديداً أو بلاستيكاً، بل هي رؤية وطنية لمستقبل طاقة أكثر استقراراً، بعيداً عن الحلول المؤقتة التي تستهلك الموارد ولا تقدم حلاً جذرياً للمشكلة.