على الرغم من الشكوك التي أُثيرت حول استمرارية المساعدات الأميركية للأردن، فإن المستجدات الأخيرة تؤكد أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، مما يعزز فرص الاقتصاد الأردني في تجاوز التحديات الراهنة.
المعلومات التي تكشفت مؤخراً تشير إلى أن المساعدات الأميركية، والتي تشكل 85 بالمائة من المساعدات الخارجية التي تتلافاها المملكة سنويا مستمرة، رغم الجدل الذي دار حولها.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فقد أبلغ الجانب الأميركي الحكومة الأردنية بأن مساعدات الناقل الوطني، التي تبلغ 600 مليون دولار، تم تأكيدها، حيث سيتم توزيعها بواقع 400 مليون دولار كدعم نقدي مباشر و200 مليون دولار كدعم فني.
أما المساعدات الدورية، التي تبلغ 1.45 مليار دولار، فهي محصنة بقانون صادر عن الكونغرس ضمن مذكرة تفاهم تمتد لسبع سنوات، ما يعني أنها ثابتة، ولا تخضع لأي تقلبات سياسية.
كذلك، فإن المساعدات الاستثنائية التي تعهدت بها الإدارة الأميركية السابقة، والبالغة 400 مليون دولار، تسير حالياً ضمن قنواتها القانونية داخل الولايات المتحدة، مما يطمئن على استمراريتها، اضافة إلى أن كبار المسؤولين في الوكالة الأميركية للإنماء أرسلت مجموعة من الاسئلة والاستفسارات للحكومة حول عدد من المشاريع التي يجري العمل بها في الأردن، في خطوة تمهيدية لاستئناف العمل فيها فور انتهاء المراجعة التي قررتها الإدارة الأميركية الجديدة .
وفي هذا السياق، تأتي المؤشرات الإيجابية الأخرى لتعزز مناعة الاقتصاد الأردني، إذ إن صندوق النقد الدولي بصدد تقديم برنامج تسهيلات إضافي بقيمة 750 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، وهو تمويل خارجي خارج إطار اتفاقيات التسهيلات الائتمانية التقليدية.
إضافة إلى ذلك، فإن هناك قروضاً ميسرة من دول شقيقة بفوائد منخفضة، ستُستخدم في إغلاق سندات اليوروبوند المستحقة في شهري حزيران وتموز 2025، مما يعزز قدرة الأردن على الوفاء بالتزاماته المالية دون ضغوط إضافية على الموازنة.
وفي ذات الجانب وضمن ذات الأهمية تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مالية واستثمارية بقيمة ثلاثة مليارات يورو (3.12 مليار دولار) للأردن، حيث تتضمن هذه المساعدات المالية للأعوام 2025-2027، منحا بقيمة 640 مليون يورو، واستثمارات بحجم 1.4 مليار يورو، ومخصصات لدعم الاقتصاد بنحو 1 مليار يورو. لكن، ورغم أهمية هذه التدفقات المالية، فإن الاعتماد عليها لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، فالأردن بحاجة إلى الاستمرار في ضبط النفقات وتحقيق إصلاح اقتصادي عميق، ليس كردة فعل مؤقتة، بل كنهج إستراتيجي طويل الأمد، وهذا ما تقوم به حكومة الدكتور جعفر حسان في المرحلة الراهنة والتي تسعى بشتى الوسائل لزيادة الاعتماد على الذات .
إن استقرار المالية العامة يجب ألا يكون مرتبطا فقط بالمساعدات الخارجية، بل يجب أن يكون ناتجا عن سياسات داخلية صارمة ومحددة، تعتمد على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وإعادة هيكلة الدعم، وتحفيز النمو من خلال تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
تحقيق هذه الأهداف يتطلب التزاما حكوميا واضحا بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بطريقة مؤسسية ومنهجية، بعيدا عن الحلول الجزئية أو المؤقتة، فالمطلوب ليس مجرد سياسات عشوائية، بل خطة واضحة المعالم تعتمد على ضبط النفقات، وتحفيز الإنتاج المحلي، وتخفيض العجز المالي بطريقة مستدامة، إذ إن أي تأخير أو تراجع عن هذه الإصلاحات سيؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية مستقبلاً، وهو ما لا يحتمل الاقتصاد الوطني عواقبه. هذه التطورات الإيجابية لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة لجهود جلالة الملك عبدالله الثاني ودبلوماسيته النشطة، التي عززت مكانة الأردن في المجتمع الدولي، ووفرت له شبكة دعم قوية لمساعدته على تخطي العقبات الاقتصادية.
اليوم، ومع تأكيد هذه التدفقات المالية، يبدو أن الاقتصاد الأردني في طريقه إلى انفراج، لكن هذه الفرصة لن تؤتي ثمارها إلا إذا مضت الحكومة قدما في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بجدية وشفافية، والتزمت بضبط النفقات وفق رؤية استراتيجية واضحة، لا تخضع للضغوط أو المساومات.