أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

قوقزة يكتب: الذكاء الاصطناعي والقانون.. كيف تواجه التشريعات مخاطر الأنظمة الذكية؟

مدار الساعة,مناسبات أردنية,الاتحاد الأوروبي,الأمم المتحدة,الذكاء الاصطناعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة - كتب- الدكتور اشرف قوقزة -
كل انسان هو في طور التحول ليصبح آلة، لا بل الأصح هو أن الالة هي التي بصدد تطورها لتتحول الى انسان هذا ما قاله الفيلسوف الفرنسي بول فاليري في بداية القرن التاسع عشر، اليوم يشهد العالم قفزات هائلة في تقنيات الذكاء الاصطناعي في طريقه للذكاء الاصطناعي فائق القدرة(ٍSuper AI) والذي يستطيع القيام بمهام تفوق بشكل كبير ما يقوم به الانسان الخبير والمتخصص بعمل معين، مما يتيح للأنظمة الذكية القدرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات، والتعلم من الأنماط، واتخاذ قرارات معقدة والقيام بمهام كانت في السابق حصرًا على البشر، ليصبح اليوم جزء من حياتنا في مجالات عدَّة أبرزها الرعاية الصحية، التمويل، التعليم، التصنيع، النقل، الأمن... ، هذا التطور السريع أفرز تحديات قانونية وتنظيمية باتت تتطلب تدخلًا تشريعيًا عاجلًا لضبط وتنظيم استخداماته، فالتشريعات وضعت في الاساس لتنظيم سلوك البشر في المجتمعات وعالجت المسؤولية القانونية(المدنية والجزائية) في إطار الشخصية القانونية (الشخص الطبيعي والاعتباري) والتي لا تستوعب في كثير من الاحيان الطابع التقني للذكاء الاصطناعي، إذ تطرح انظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة إشكاليات تتطلب حلولًا قانونية متطورة تتماهى مع ظهور شخصية جديدة -ان جاز التعبير- لم تعرفها التشريعات والقوانين من قبل وهي شخصية الذكاء الاصطناعي وما يترتب عليها من مخاطر وتهديدات عدة، ليثور تساؤل هام حول مدى ملائمة التشريعات الحالية وقدرتها على استيعاب الخصائص الفريدة لهذه التكنولوجيا؟
إن غياب إطار قانوني واضح للذكاء الاصطناعي يفتح المجال لمخاطر متعددة، منها كيفية تحديد المسؤلية القانونية عن اعمال الذكاء الاصطناعي في ظل غياب تنظيم قانوني واضح ، والاكتفاء بتطبيق القواعد العامة في المسؤولية، وخاصة مع ظهور وجهة نظر ترنو الى المستقبل مؤداها الاعتراف بالشخصية القانونية للذكاء الاصطناعي والذي تبناه قرار للبرلمان الاوروبي والذي يهدف الى جعل الذكاء الاصطناعي مسؤولاً بشكل مستقل بدل من تقرير مسؤولية المصمم أو الصانع أو المالك أو المستخدم، فالاعتراف بالشخصية القانونية في نظر اصحاب هذا الرأي تشبه الاعتراف بالشخصية القانونية للشخص الاعتباري، وبالرغم من عدم اتفاقنا مع هذا الرأي لما يثيره من اشكاليات قانونية وعملية كبيرة الا انه رأي له واجهته والذي يمكن ان نحتاج له مستقبلاً.
بالاضافة الى ما سبق هناك تحديات أخرى تتعلق بانتهاك الخصوصية، التحيز الخوارزمي، الاستخدامات غير الأخلاقية، والمخاطر الأمنية التي قد تؤثر على الأمن القومي والمؤسسات المالية. على سبيل المثال، أدى انتشار تقنيات التزييف العميق (Deepfake) إلى خلق تهديدات خطيرة في مجال التضليل الإعلامي والاحتيال الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات المطوّرة للذكاء الاصطناعي تهيمن على هذا القطاع، مما قد يؤدي إلى احتكار التكنولوجيا، وتعزيز الفجوة الاقتصادية بين الدول والشركات.
استجابة للتحديات القانونية والتنظيمية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، بدأت العديد من الدول في سنّ تشريعات تهدف إلى ضبط عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي وتحديد مسؤوليات المطورين والمستخدمين. فقد أقر الاتحاد الأوروبي في يونيو 2024 قانونًا شاملًا ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي، واضعًا تصنيفات واضحة للأنظمة الذكية وفقًا لدرجة مخاطرها، مع فرض ضوابط صارمة لضمان الشفافية والمساءلة. بالنسبة للصين فقد اتبعت نهج تقوده الدولة حيث اصدرت بعض اللوائح الوطنية الملزمة الاولى عالمياً والتي تستهدف الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، وفي الولايات المتحدة اتبعت نموذج يعبر عن ايمان ثابت بالاسواق فالتقنيات الحديثة بنظرها مصدر للازدهار الاقتصادي ومصدر الى الابتكار والتقدم، حيث قدمت 45 ولاية أمريكية، مشاريع قوانين متعلقة بالذكاء الاصطناعي خلال عام 2024، وتم اعتماد تشريعات فعلية في 31 ولاية، من بينها قانون كولورادو الذي يُلزم المطورين باتباع معايير عادلة لمنع التمييز الخوارزمي. أما الأمم المتحدة، فقد أنشأت في أكتوبر 2023 مجلسًا استشاريًا للذكاء الاصطناعي لوضع إطار عالمي لتنظيم التكنولوجيا، ومن المنتظر إصدار توصياته النهائية في منتصف عام 2025، مما قد يؤثر على التشريعات المستقبلية للذكاء الاصطناعي. وفي المملكة المتحدة، أصدرت الحكومة ورقة بيضاء في مارس 2023 حول تنظيم الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تقدم الجهات التنظيمية خلال عام 2025 إرشادات تفصيلية لتطبيق هذه القوانين في مختلف القطاعات. وعلى الصعيد العربي، تعمل كل من الامارات والسعودية والاردن على تطوير أطر قانونية خاصة بها تضمن التوازن بين التطور في هذا المجال والحد من المخاطر التي يرتبها مع الاستفادة من تجارب الدول التي شرعت في وضع وتطبيق قوانين وتشريعات خاصة بالذكاء الاصطناعي، مما يعكس الاتجاه نحو ضرورة تنظيم هذه التكنولوجيا.
رغم الجهود التشريعية المتزايدة، لا تزال هناك تحديات تعرقل تحقيق تنظيم شامل وفعّال للذكاء الاصطناعي، فيما يتعلق بالمساءلة القانونية، يظل تحديد المسؤول عن الأضرار الناجمة عن قرارات الذكاء الاصطناعي تحديًا، خاصة عندما تعمل هذه الأنظمة بشكل مستقل عن مطوريها، يمثل التحيز الخوارزمي أحد أبرز هذه التحديات، إذ تفرض القوانين الحديثة قيودًا على الأنظمة التي تُظهر تحيزًا في قراراتها، إلا أن تقييم مدى تحيزها لا يزال إشكالية تقنية وقانونية معقدة. كما تثير حماية البيانات والخصوصية مخاوف متزايدة، نظرًا لاعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات، مما يستدعي ضمان استخدامها وتخزينها بطرق لا تنتهك الحقوق الفردية، إلى جانب ذلك، يفرض الأمن السيبراني ضرورة تنظيم صارم لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات الإلكترونية، مع فرض عقوبات على الجهات التي تستغله لأغراض ضارة. كما أن تعدد التشريعات الوطنية يشكل عائقًا أمام وضع معايير موحدة لتنظيم الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، مما يجعل التنسيق الدولي أمرًا بالغ الأهمية لضمان حوكمة فعالة لهذه التكنولوجيا المتقدمة.
إن تطور الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة هائلة لدفع عجلة الابتكار وتحسين حياة البشر، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات قانونية تتطلب استجابات تنظيمية فعّالة. استنادًا إلى التجارب العالمية، يمكن تعزيز التنظيم القانوني لهذه التكنولوجيا من خلال اجراء مراجعات تشريعية عاجلة ودورية تأخذ بعين الاعتبار الذكاء الاصطناعي وتطوراته، يشمل ذلك تحديث القوانين المتعلقة بالمسؤولية المدنية والجنائية، وحماية البيانات، وحقوق الملكية الفكرية، يتطلب الامر كذلك وضع إطار قانوني دولي موحّد، يضمن التزام الدول بمعايير موحدة، مع تقوية قوانين حماية البيانات وفرض معايير صارمة لجمعها ومراقبتها. إلى جانب ذلك ينبغي تطوير أدوات لمراقبة التحيز الخوارزمي، وتشجيع الأبحاث حول خوارزميات أكثر عدالة وشفافية، فضلًا عن إنشاء هيئات رقابية مستقلة لمراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي وضمان توافقه مع القوانين المعتمدة. ومن الضروري أيضًا تعزيز الوعي المجتمعي عبر حملات توعوية حول الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات. لضمان استخدامه بطرق آمنة وأخلاقية. ويتطلب تحقيق التوازن بين الابتكار والتنظيم نهجًا دقيقًا يجمع بين التشريعات الصارمة والسياسات المرنة التي تواكب التطورات التكنولوجية.
مدار الساعة ـ