أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مستثمرون دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

العمرو يكتب: الوحدة الوطنية بين شرنقة التاريخ ومتاريس التشكيك


نضال الثبيتات العمرو

العمرو يكتب: الوحدة الوطنية بين شرنقة التاريخ ومتاريس التشكيك

مدار الساعة ـ
في قلب الشرق الأوسط المتقلب، حيث تتصارع الأجندات وتنفجر الأزمات كالألغام المزروعة في حقول الغير، يقف الأردن ككيانٍ استثنائي؛ لا تروي جغرافيا هذا الوطن قصته الحقيقية، بل ترويها إرادة شعبٍ التحم مع قيادته عبر عقودٍ من التحديات، نحتت معنى الوحدة الوطنية كعقدٍ غير مكتوب، لكنه الأكثر متانةً في المنطقة؛ هذه الوحدة ليست شعاراً يُرفع، بل دمٌ يسري في شرايين الدولة، من قمة هرمها إلى القاعدة الشعبية التي تحرسه؛ لكنها، كأي كيان حي، ليست بمنأى عن الفيروسات التي تحاول اختراق مناعتها، سواءً عبر سموم الخارج، أو جراثيم الداخل، تلك التي تتسلل عبر ثغراتِ الشك لتنخر في جسد اليقين.
الوحدة الوطنية هنا ليست مجرد تجاورٍ بين مكونات المجتمع، بل هي ذاكرة جمعية تختزن تضحيات الجيش والأجهزة الأمنية، وتاريخ الهاشميين في الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية، وقدرة الشعب على استيعاب اللاجئين دون أن يذوب؛ هذه الوحدة هي التي جعلت من الأردن (دولة الملجأ) في عيون العالم، لكنها أيضاً جعلته هدفاً لأعداء الاستقرار؛ فخلال الحرب على غزة، تحولت الحملات التشكيكية إلى سلاحٍ ذي حدين؛ خارجياً، لتفكيك الموقف الأردني الرافض للتهجير، وداخلياً، لشق الصف عبر إشاعاتٍ كـ (الجسر البري) المزعوم، أو اتهام الأجهزة الأمنية بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني، وكأنما يُعاد رسم خريطة الأعداء بأيدٍ وطنية!
هنا يطفو السؤال الأكثر إيلاماً؛ كيف نتعامل مع من يساهمون، عن قصد أو غير قصد، في تدمير هذا النسيج؟؛ البعض يرى أن التشكيك بالدولة وأجهزتها، خاصة في أوقات الأزمات (وأنا منهم)، هو خيانةٌ لا تُغتفر؛ بينما آخرون يستبيحون الوطن في كل الاتجاهات دون الإشارة لهم؛ وهنا تكمن الخطورة في تحويل كل مدافع عن وطنه الى عنصري برخصة من المسؤول؛ والتغاضي عن المشككين وأصحاب فكرة المؤامرة التي يُشركون الدولة فيها زوراً وبهتاناً، فعندما يخرج المسؤول للرأي العام بعد غياب اثناء الأزمة، يتجاهل سؤالاً جوهرياً؛ لماذا تنجح حملات التشكيك والتخوين باجتياح منصات التواصل الاجتماعي أصلاً؟؛ وهنا سأقدم الإجابة التي لا يريدون قراءتها أو الاستماع لها؛ لأنها تستغل فراغاً في الخطاب الرسمي، أو شكوكاً متراكمةً في ذاكرة الجمهور، لم تُعالج بحكمةٍ تُذيب الجليد بدل تكسيره.
المسؤول، وببراعة الإعلامي المخضرم (المصطنعة)، قد يكشف زيف ادعاءات (الجسر البري)، ويوضح سياق التصريحات الملكية التي تم تشويهها عبر ترجمةٍ مغلوطة (متعمدة واجزم على ذلك للسيل الجارف من الاساءات والتشكيك بالدولة الأردنية ونظامها)، ويذهب ربما مرتبكاً لتأكيد أن الأردن (ليس جزءاً من حلقة التسويق للتطبيع)؛ لكن للمتابع حق أيضاً أن يقول ما يجده من لقاءات المسؤولين؛ بأنهم دائماً ما يخفقون في معالجة الجذر؛ ثغرة الثقة بين بعض الجمهور والجهات الرسمية، والتي تتسع عندما يُختزل الدفاع عن الوطن وقيادته وجيشه في خانة (العنصرية)؛ فالشعب الذي ضحّى باقتصاده من أجل اللاجئين، واستقبل ملكه بزياراته المفاجئة او المرتب لها إلى المحافظات، لا يستحق أن يُتهم بالجهل لمجرد أنه يطلب المزيد من الشفافية، بل يحتاج إلى جسرٍ من الحوار يُصلح ما انكسر، لا سدوداً من الاتهامات تُعمّق الشرخ.
الوحدة الوطنية ليست زمناً استثنائياً نعيشه فقط في لحظات الخطر، بل هي عصب الحياة اليومية؛ لكنها أيضاً ليست ملاذاً للمشككين والمُخوّنين للوطن؛ فالأردن، بقدراته البشرية الفذة، قادرٌ على احتواء الاختلاف، شرط أن يبقى الإطار العام واضحاً وهو (الولاء لله ثم للوطن والقيادة، واحترام مؤسسات الدولة)؛ أما من يتجاوزون هذه الخطوط، سواءً بالتشكيك الممنهج أو ترويج الأكاذيب، فهم ليسوا أعداءً فحسب، بل علامات استفهامٍ حول دوافعهم؛ هل هم أدواتٌ لاستخبارات خارجية؟ أم ضحايا لغياب الوعي؟؛ الإجابة تحتاج إلى تشريحٍ دقيقٍ لا يكتفي بالشجب، بل بالبحث عن جذور الداء في تربةِ الواقع، لا في سماءِ التمنيات.
على المسؤول أن يعي بأن الإجابة ليست بالأبيض والأسود؛ ففي الحرب الإلكترونية التي نعيشها، حيث تتحول الشائعة إلى سلاح، يصبح المواطن العادي هدفاً سهلاً؛ هنا، تقع المسؤولية على الدولة في تعزيز مناعة المجتمع عبر الحوار المفتوح، لا عبر الخطاب الوَعْظي؛ فكما أن الجيش يحرس الحدود، يجب أن تحرس المؤسسات الإعلامية والتعليمية العقل الجمعي من الغزو الفكري، ليس بالتعتيم، بل بالإقناع، لأن الحقائق المُسلّحة بالمنطق أقوى من ألفِ شائعةٍ مُزيّفة؛ وما سبق يدخل في معادلة اعلام الوطن والمواطن التي طرحها سمو ولي العهد خلال لقاءه بالزميل عواد الخلايلة.
كما أن على المسؤول أن يفهم بأن الوحدة الوطنية ليست هديةً تقدمها الدولة للشعب، ولا عبئاً يتحمله الشعب وحده؛ إنها رقصة متوازنة بين الحقوق والواجبات، بين النقد المسؤول والولاء غير المشروط؛ الأردن، برمزيته التاريخية، قادرٌ على تجاوز هذه العاصفة كما تجاوز سابقاتها، لكن ذلك يحتاج إلى جرأةٍ في المراجعة، ومساحةٍ أكبر للاعتراف بأن بعض الأسئلة المشروعة ليست ثغراتٍ في الجدار الوطني، بل نوافذَ يحتاجها البنيان لئلا يختنق؛ فالشعب الذي صنعَ المعجزات في أحلك الظروف، يستحقُ أن يُكتبَ مستقبل وحدته بلغةِ الثقة المتبادلة، لا بلغةِ القطيعة أو بوصفهم اتباع فكرتجييشعنصري.
مدار الساعة ـ