غالباً ما تسقط الدول عند الأزمات، أما في الأردن، ففي كل أزمة تجده أقوى وأصلب. الأزمات في الأردن تشعل الحماس، وتجدد الانتماء والولاء للوطن والقيادة. الأزمات في الأردن كالمطر، تأتي لتحيي الأرض، فتتفتح الأزهار، وينبت القمح حاملاً في سنابله وحدة الصفوف، ممشوقاً بالعزيمة، عزيمة الأردنيين الأحرار.
لم يخطئ وصفي التل عندما قال: "إن الأردن وُلد من نار، فلم ولن يحترق"، ومن وُلد من النار لن يستطيع أحدٌ أن يثنيه أو يسقطه.
وبالعودة إلى محطات من تاريخ الأردن القريب، وليس البعيد، ففي بداية التسعينيات من القرن الماضي، عندما وقف الشعب الأردني وقيادته وحيدين مع العراق في وجه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وضد دخول القوات الأجنبية إلى المنطقة، فُرضت على الأردن كل أشكال العقوبات الاقتصادية، وقطع العرب علاقاتهم معه، فماذا حصل؟ بقي الأردن، وأثبتت الأيام والسنون أنه منذ ذلك التاريخ استطاعت الدول الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة، الهيمنة على المنطقة كلها، وخسر العرب.
وعند انتقال الحكم من المغفور له الملك الحسين، رحمه الله، إلى الملك عبد الله الثاني، تعالت الأصوات التي قالت إن الأردن سينهار ولن يستمر.. فماذا جرى؟ بقي الأردن قوياً متماسكاً، منطلقاً نحو المستقبل، بعزيمة أبنائه وقيادته، وبتجديد البيعة المخلصة للقيادة الهاشمية.
حاول الإرهابيون النيل من أمن الأردن بتفجيرات عمان، التي راح ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، فماذا حصل؟ بقي الأردن، بل بات أقوى.
ثم جاء الربيع العربي، فتساقطت الأنظمة كأحجار الدومينو، وانهارت دول وقُتلت شعوب، فماذا حصل؟ سقط من كان يعادي الأردن ويتهمه بالخيانة، وبقي الأردن ثابتاً حراً عزيزاً.
قتل داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة، فماذا جرى؟ التفَّ الشعب حول الجيش والقيادة، وأخذنا بالثأر، فثأر الأردني لا يبيتُ ليلة واحدة.
هذه لمحةٌ من صفحات تاريخ الأردن منذ تأسيسه حتى يومنا هذا، فقد كتب علينا القتال والدفاع عن هذا الوطن الذي لا تلين عزائمه مهما كانت التحديات والمصاعب والظروف. واليوم، يخرج ترامب، ويطرح التهجير، ويُتهم الأردن من هنا وهناك، ويحذر البعض من انهيار الدولة وعدم الاستقرار، ولكن كما في كل الأزمات، سيبقى الأردن، وستبقى فلسطين، وسيذهب هؤلاء ويندثرون في صفحات التاريخ.