مدار الساعة - كتب: الأستاذ الدكتور شوكت محمود الخزاعلة - في زيارة استثنائية حملت في طياتها دلالات سياسية عميقة، توجه جلالة الملك عبدالله الثاني إلى البيت الأبيض، ليكون أول زعيم عربي يلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد استلامه ولايته الثانية. هذه الزيارة لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي روتيني، بل جاءت في ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، خاصة في ظل الأوضاع المتوترة في قطاع غزة، والتصريحات الاستفزازية التي أطلقها ترامب حول تهجير الفلسطينيين قسراً إلى الأردن ودول الجوار.
الملف الفلسطيني: أولوية الهاشميين
كما هو معتاد في زيارات القادة الهاشميين للبيت الأبيض، حمل الملك عبدالله الثاني معه ملف القضية الفلسطينية، مؤكداً مرة أخرى أن هذه القضية تظل في صلب اهتمامات الأردن وسياساته. الملك، الذي يمثل امتداداً لمسيرة الهاشميين التاريخية في الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، أكد أن مصلحة الأردن فوق كل اعتبار، وأن أي محاولات لتهجير الفلسطينيين قسراً ستواجه برفض قاطع.
موقف ثابت في وجه التحديات
على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها المملكة، بما في ذلك وقف المساعدات الأمريكية وفرض الضريبة وربط الدينار بالدولار، إلا أن الملك عبدالله الثاني ذهب إلى البيت الأبيض من موقف قوي وثابت. لقد أدرك جلالته أن آثار التهجير القسري للفلسطينيين ستكون أكثر خطورة من كل هذه التحديات مجتمعة. وهنا تكمن قيادة الملك الحكيمة، التي تضع المصلحة الوطنية والإنسانية فوق كل الاعتبارات.
استضافة الأطفال المرضى: رسالة إنسانية وسياسية
في خطوة إنسانية تعكس المبادئ الراسخة للهاشميين، أعلن الملك عن استضافة 2000 طفل مريض من قطاع غزة لتلقي العلاج في الأردن. هذه الخطوة ليست استجابة لضغوط خارجية، بل هي استمرار لمسيرة العطاء الهاشمي التي لم تتوقف أبداً في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. الأردن، الذي يستقبل أعداداً كبيرة من المرضى العرب سنوياً، يؤكد مرة أخرى أنه قلعة للإنسانية والعروبة.
الشراكة العربية: مفتاح الحل
أوضح الملك عبدالله الثاني في لقائه مع ترامب أن العرب هم أصحاب القرار في القضية الفلسطينية، وأن أي حلول يجب أن تأتي من خلال توافق عربي شامل. جلالته أكد على أهمية الدور المصري في هذا الصدد، مشيراً إلى أن الأردن ينتظر الخطة التي ستقدمها مصر كدولة شريكة وصاحبة رأي واضح في القضية الفلسطينية. كما أشاد بدور المملكة العربية السعودية، التي أعلنت رفضها للمخططات الأمريكية الإسرائيلية التي يتبناها ترامب.
دور المملكة العربية السعودية: ركيزة عربية ودولية
لا يمكن الحديث عن القضية الفلسطينية ودور الأردن في الدفاع عنها دون تسليط الضوء على الدور المحوري للمملكة العربية السعودية، التي تمثل واحدة من أهم الدول العربية ذات التأثير الإقليمي والدولي. المملكة، التي تربطها بالأردن علاقات تاريخية وإستراتيجية عميقة، كانت ولا تزال شريكاً أساسياً في دعم القضية الفلسطينية ورفض المخططات التي تهدد حقوق الشعب الفلسطيني.
في تصريحات سابقة، أكدت المملكة العربية السعودية رفضها القاطع لأي مخططات أمريكية إسرائيلية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسراً أو تقويض حقوقهم المشروعة. هذا الموقف السعودي الثابت يعكس التزام المملكة بمبادئ العدالة والشرعية الدولية، ويؤكد دورها كقوة عربية كبرى تسعى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
كما أن المملكة العربية السعودية، بقيادتها الحكيمة، لعبت دوراً مهماً في تعزيز التضامن العربي، ودعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. هذا الدور لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل يمتد إلى الجانب الإنساني والاقتصادي، حيث قدمت المملكة دعماً كبيراً للشعب الفلسطيني في مختلف المجالات.
في ظل هذه الظروف الاستثنائية، يظهر التعاون الأردني السعودي كأحد الركائز الأساسية التي تعزز الموقف العربي الموحد في مواجهة التحديات. الملك عبدالله الثاني، في لقائه مع ترامب، أشار إلى أهمية الدور السعودي، مؤكداً أن أي حلول يجب أن تأتي من خلال توافق عربي شامل، وأن المملكة العربية السعودية شريك أساسي في هذه الجهود.
هذا التضامن العربي، الذي تجسده العلاقات الأردنية السعودية، هو ما يعطي قوة إضافية للموقف الأردني، ويؤكد أن القضية الفلسطينية ليست قضية أردنية فحسب، بل هي قضية عربية وإسلامية تهم كل الشعوب الحرة في العالم.
الوعي الأردني: الدرع الحامي
يعول الملك عبدالله الثاني كثيراً على وعي الشعب الأردني وتماسكه حول القيادة الهاشمية. في ظل هذه الظروف الصعبة، يظهر الأردنيون مرة أخرى أنهم حصن منيع يدعم قيادتهم ويقف معها في وجه التحديات. هذا الالتفاف الشعبي حول القيادة هو ما يعطي الأردن قوته وصلابته في مواجهة العواصف الإقليمية والدولية.
نداء إلى المجتمع الدولي والعربي
نحن كشعب أردني، ندرك جيداً حجم المسؤولية التي تقع على عاتق قيادتنا الهاشمية، وندرك أيضاً أن الوقوف مع هذه القيادة هو واجب وطني وإنساني. ولكن الدور الأكبر يقع على المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية، التي يجب أن تتخذ مواقف شجاعة تدعم جهود الملك عبدالله الثاني في حماية حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عن قضيته العادلة.
خاتمة
زيارة الملك عبدالله الثاني إلى البيت الأبيض كانت رسالة واضحة إلى العالم بأن الأردن، برغم كل التحديات، يظل صامداً في دفاعه عن القضية الفلسطينية ومصالحه الوطنية. هذه الزيارة أثبتت مرة أخرى أن القيادة الهاشمية تمتلك حكمة سياسية نادرة، وقدرة على المناورة في أصعب الظروف. وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن أي حلول غير عادلة ستكون بمثابة إشعال لنيران جديدة في المنطقة، وأن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال حل عادل وشامل يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.
في النهاية، يبقى الأردن قلعة العروبة والإنسانية، والملك عبدالله الثاني رمزاً للقيادة الحكيمة التي تستحق كل الدعم والوقوف خلفها في هذه المعركة المصيرية.