إلى كل من أساء الفهم أو تعمّد تحريف تصريحات جلالة الملك عبد الله الثاني خلال مقابلته الأخيرة، نقولها بوضوح: الأردن لم ولن يفرّط في ثوابته الوطنية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
من يتابع نهج جلالة الملك على مدى السنوات، يدرك تمامًا أنه القائد العربي الأكثر ثباتًا في الدفاع عن فلسطين والمقدسات، وهو صوت الحكمة والعقلانية في زمن تتلاعب فيه بعض الأطراف بالتصريحات لخدمة أجنداتها الخاصة. جلالة الملك لم يقل إلا الحقيقة الواضحة للجميع: الأردن لن يقبل التهجير، ولن يكون بديلاً عن فلسطين، ولن يسمح بأي حل يأتي على حسابه أو حساب الفلسطينيين.
أما محاولات الاصطياد في الماء العكر، فليست جديدة، ولكنها لن تغيّر من الواقع شيئًا. الموقف الأردني ثابت كالشمس في كبد السماء، لا يحتاج إلى تأويل، ولا يتزعزع بتحريف مغرض أو ترجمة ضعيفة.
وهنا يبرز تساؤل مشروع: هل هذا التشويه ناتج عن استهداف مقصود لبعض التصريحات، أم أنه ضعف مهني في الترجمة ونقل المعنى الحقيقي؟ في كلتا الحالتين، تبقى الحقيقة واحدة: الأردن لم ولن يكون إلا مع فلسطين، ولن يسمح لأي جهة كانت أن تملي عليه مواقف تتناقض مع مبادئه الراسخة.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن الأردن، من خلال نهجه الدبلوماسي الرصين، أعطى قيمة كبرى للموقف المصري عندما أكد أن مصر ستتقدم بمقترح عربي مشترك لحل الأزمة، مما يعكس الإيمان الأردني بالدور العربي المشترك وأهمية التنسيق مع الأشقاء، بدلًا من إلقاء الأعباء على دولة بعينها. هذه رسالة واضحة بأن الحل ليس مسؤولية الأردن أو مصر وحدهما، بل هو شأن عربي وإقليمي ودولي يتطلب تكاتف الجهود لمواجهة التحديات المشتركة.
وبالإضافة إلى ذلك، أظهر جلالة الملك حنكته الدبلوماسية الفائقة وقدرته على المناورة في تصريحاته، حيث تحدث بلغة التوازن السياسي الذي يعكس حكمة القيادة ورؤيتها العميقة للمستقبل. فقد تعامل مع التحديات بذكاء، ليضع الأردن في موقف لا يتأثر بأي محاولات لتضييق الخيارات عليه، بل يظل ثابتًا في المواقف التي تخدم مصالح الشعب الفلسطيني وتدعم حقه في تقرير مصيره.
الأردن لم يكن يومًا تابعًا لأحد، لكنه كان دائمًا في مقدمة الصفوف عندما يتعلق الأمر بالقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأخيرًا، كنت أتمنى أن أكون في الأردن، لأكون من أوائل المستقبلين لجلالة سيدنا عبد الله الثاني بن الحسين وولي عهده الميمون، ولكن هذه ضريبة الغربة، حيث يبقى القلب في الوطن مهما ابتعدت الأجساد.