في لقاءٍ دبلوماسيٍ استثنائيٍ جمع جلالة الملك عبد الله الثاني برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في البيت الأبيض أمس، برز الأردن مرةً أخرى كصوتٍ عربيٍّ حكيمٍ ووازنٍ في قضايا المنطقة المصيرية. لم يكن اللقاء مجرد مناسبةٍ روتينيةٍ لتعزيز العلاقات الثنائية، بل تحول إلى منصةٍ أظهرت فيها القيادة الهاشمية حنكتها السياسية وثباتها على المبادئ، حيث رفض جلالته بوضوحٍ خطط التهجير الخاصة بغزة، مؤكداً أن أي حلٍّ يجب أن ينبثق من رد عربيٍّ مشترك وشاملٍ يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، وتكون في أولوية الجميع إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها والتعامل مع الوضع الإنساني الصعب في القطاع اضافة إلى خفض التصعيد في الضفة الغربية لمنع تدهور الأوضاع وامتدادها لتشمل المنطقة بأكملها.
منذ اللحظات الأولى للقاء، أدار جلالة الملك الحوار ببراعةٍ دبلوماسيةٍ، جامعاً بين الاحترام العميق للشراكة الأردنية الأمريكية والإصرار على عدم المساس بالثوابت. ففي الوقت الذي استمع فيه لرؤية الجانب الأمريكي، لم يتردد في توضيح موقف الأردن الرافض لأي مساعٍ فرديةٍ للقفز عن القضية الفلسطينية، فغزة ليست قضيةً عابرة، بل جزء من قضيةٌ عربيةٌ وجوديةٌ، جوهرها إنصافُ شعبٍ طال انتظاره للعدالة التي لا يمكن أن تتحقق إلا عبر العمل بالتعاون مع جميع الشركاء الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة من أجل إرساء السلام العادل القائم على أساس حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة. هذه الكلمات لم تكن مجرد تصريحاتٍ عابرة، بل تجسيدٌ لاستراتيجيةٍ هاشميةٍ ثابتةٍ ترفض الالتفاف حول الحقوق التاريخية للفلسطينيين.
لم يتوقف الأمر عند الرفض؛ فقد قدّم جلالته رؤيةً شاملة، تتمثل برد عربيٍّ مشترك وهو ما يُعد دعوةً لتعزيز التضامن العربي في مواجهة التحديات المشتركة. هذا الموقف إلى جانب إظهاره عمق الرؤية السياسية للملك، أكد أيضاً على دور الأردن المحوري كجسرٍ للتواصل بين الأطراف الدولية والإقليمية، دون التفريط بثوابت الأمة.
وفي خضم الحوار السياسي كان الملك سباقا لتبني مبادراتٍ إنسانيةٍ كاستقبال الأطفال المرضى من غزة للعلاج في الأردن، والتي تُذكر العالم بأن الأردن لا يكتفي بالشجب، بل يتحرك لإنقاذ الأرواح وترميم الأمل، هذا الموقف الإنساني ليس غريباً على القيادة الهاشمية وعلى الدولة الأردنية، التي حوَّلت حدودها إلى جسرٍ للعطاء بدلاً من الجدران العازلة. فاستقبال الأطفال الغزيين – بتنسيقٍ مع مؤسساتٍ دوليةٍ ومحليةٍ – يُبرز دور الأردن كـ«ضمير الأمة»، الذي لا يترك أشقاءه يواجهون المعاناة وحدهم. هذه الخطوة، التي تُضاف إلى سجلٍ حافلٍ بدعم القضية الفلسطينية، تثبت أن الأردن يرفض أن تكون غزة ساحةً للتجارب السياسية، بل يعمل على حماية إنسانيتها قبل أي شيء.
على الصعيد الداخلي، يعكس هذا الموقف الثقة المطلقة التي يتمتع بها جلالة الملك لدى شعبه، الذي وقف خلف قيادته في كل المحطات الصعبة. فالأردنيون، بكل أطيافهم، يرون في مليكهم حامياً لكرامة الأمة ومصالحها، وقائداً يمتلك الخبرةَ والدربةَ لقيادة السفينة عبر أعتى العواصف. هذه الثقة متجذرةٌ في إيمان الشعب بمؤسسات الدولة الراسخة، التي أثبتت عبر العقود قدرتها على تجاوز التحديات بفضل سواعد أبنائها وإرادتهم الصلبة.
إن التاريخ الحديث للأردن حافلٌ بنماذجَ عن الصمود والنجاح، من تجاوز الأزمات الاقتصادية إلى الحفاظ على الأمن في منطقةٍ مضطربةٍ. اليوم، وبقيادته الحكيمة، يُثبت الأردن مرةً أخرى أنه قادرٌ على تحويل التحديات إلى فرص، وأن كلمة الاردن لن تُغيّب عن أي قرارٍ مصيريٍّ يمس مستقبل المنطقة. فتحيةً لقيادةٍ لا تتزعزع، وشعبٍ يُجسد معنى الوحدة والثقة بقيادته!