أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شهادة مستثمرون دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الفرجات يكتب: قانون القوة وقوة القانون


موسى الفرجات

الفرجات يكتب: قانون القوة وقوة القانون

مدار الساعة ـ
في الساحة الدولية، يتقاطع مفهوما "قانون القوة" و"قوة القانون" بشكل متداخل، حيث يرتبط كل منهما بدور فاعل في تحديد كيفية تصرف الدول والمنظمات الدولية، وأحيانًا الأفراد في سياق العلاقات الدولية.
قانون القوة هو مبدأ غير رسمي يعبر عن حقيقة أن الدول أو الأطراف الأقوى في النزاعات الدولية غالبًا ما تفرض إرادتها باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية وفي حالات عديدة، قد تصبح القوة أداة حاسمة في تقرير مصير الدول أو الأفراد، حيث لا تقتصر فقط على المجال العسكري، بل تشمل أيضًا التأثيرات الاقتصادية والسياسية، هذا المبدأ يعكس حقيقة مريرة في السياسة الدولية حيث تكون الأقوى دائمًا في موقع يسمح لها بتوجيه الأحداث وفقًا لمصالحها.
أما قوة القانون فتشير إلى النظام الذي يتم فرضه من خلال القوانين الدولية أو الوطنية لتقيد استخدام القوة بشكل عادل ومنظم. في هذا السياق، لا يُسمح للدول باستخدام القوة إلا في حالات معينة مثل الدفاع عن النفس أو التفويض من قبل الهيئات الدولية مثل مجلس الأمن، فقوة القانون تكمن في قدرته على كبح جماح استخدام القوة بشكل عشوائي أو غير مبرر، وفرض احترام حقوق الإنسان وتنظيم العلاقات بين الدول.
بعد الآثار الكارثية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية دأبت الدول العظمى إلى تأسيس مجلس الأمن الدولي خلال منتصف العقد الخامس من القرن الماضي كمنظم وضابط اساسي لفض النزاعات والخلافات بين الدول والجماعات والافراد وباعتباره هيئة أساسية في الأمم المتحدة وجهة مسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين حيث تشكل من ١٥ عضوًا منهم ٥ أعضاء دائمون من الدول العظمى و١٠ أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لفترات محددة.
ندرك تماما بان الدول الخمس العظمى تسهم بشكل فعال في اتخاذ قرارات ملزمة اذا ما تقاطعت قوة القانون مع قانون القوة وهنا تكمن جدية وفرضية حل النزاعات من خلال استخدام فرض العقوبات على الدول أو التدخل العسكري في حال حدوث تهديد للأمن الدولي.
فأهمية مجلس الأمن الدولي تكمن في تقديم الآليات التي تحد من استخدام القوة العشوائي من قبل الدول، وتوفير الآليات القانونية لحل النزاعات الدولية بطرق سلمية. لكن من الجدير بالذكر أن فعالية المجلس في اتخاذ قراراته قد تتأثر أحيانًا بالفيتو الذي تملكه الدول الدائمة العضوية، مما قد يؤدي إلى تعطيل قراراته في بعض الحالات.
ومن اهم النزاعات التي كان لمجلس الأمن الدولي دورا محوريا في فضها
حرب كوريا ١٩٥٠-١٩٥٣م والتي انتهت باتفاق هدنة عام ١٩٥٣، ودوره في فض النزاع في يوغوسلافيا عام ١٩٩٠ خلال الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة، وكذلك تدخله في فض النزاع في دارفور ٢٠٠٣-٢٠٠٧ بالسودان، ومحاولته انهاء النزاع في الصومال ١٩٩٠ وحتى وقت مبكر ، والحرب العربية-الإسرائيلية ١٩٦٧ حيث أصدر مجلس الأمن القرار ٢٤٢ بعد الحرب بين إسرائيل والدول العربية (مصر، سوريا، الأردن) الذي دعا إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال الحرب (الضفة الغربية، غزة، سيناء، وهضبة الجولان) مقابل السلام..
ونتيجة لتزايد الانتهاكات بحق الجماعات والأفراد فقد تأسست منظمة العفو الدولية عام ١٩٦١ باعتبارها منظم من أبرز المنظمات الحقوقية التي تسعى إلى حماية حقوق الإنسان على مستوى العالم وتعمل على رصد الانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد والجماعات في مختلف أنحاء العالم، مثل الاعتقالات التعسفية، التعذيب، والتمييز العنصري، وغيرها من الانتهاكات .
ولمزيد من توخي تحقيق العدالة بين الدول والشعوب والأفراد فقد جاء تاسيس المحكمة الجنائية الدولية عام ٢٠٠٢ باعتبارها الهيئة القضائية الدولية التي أنشئت لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية بموجب ميثاق روما.
وتلعب المحكمة الجنائية الدولية دورًا حيويًا في تقليل الإفلات من العقاب، خاصة في النزاعات المسلحة حيث يسعى بعض المسؤولين إلى استخدام القوة بلا محاسبة بفضل المحكمة تظل العدالة الدولية متاحة لأبناء الشعوب التي قد لا تكون لديها القدرة على محاكمة مرتكبي الجرائم على المستوى المحلي، لكن المحكمة تواجه تحديات في تنفيذ أوامرها بسبب غياب صلاحيات حقيقية على الدول غير الموقعة على اتفاقية روما، وبعض الدول الكبرى التي لا تعترف بها.
أكاد أجزم بأنه لم يشهد العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية مشاهد اكثر دموية وفتكتا بالارض والانسان اكثر مما شهده قطاع غزة وعلى مرأى من أنظار العالم من إبادة جماعية بشعة لم تراعِ حق حفل رضيع او طفل او شيخ طاعن في السن او امرأة فلم تبقي حجرا على حجر ولم تبقي ولم تذر.
ان ما شهدناه من الاحتجاجات التي جابت شوارع الدول العالمية والسخط العارم الذي لازمها تجاه الحرب المفرطة الغير عادله والاسلحة المحرمة دوليا التي استخدمت احيانا بحق المدنيين العزل في منطقة جغرافية ضيقة لم تأتي زائفه وانما انبثقت من وازع إنساني يثبت عدالة القضية الفلسطينية وحق الشعوب في العيش بسلام وامان وتقرير مصيرها وتؤكد حقيقة وحشية الكيان الصهيوني في استهداف الأبرياء وقتلهم بدم بارد .
فمنذ اندلاع الحرب في غزة استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر في مجلس الأمن الدولي لصالح إسرائيل في العديد من الحالات التي تتعلق بقطاع غزة، وذلك في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .
الفيتو الأمريكي يعكس الدعم المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل على الساحة الدولية، حيث غالبًا ما تستخدم واشنطن الفيتو ضد مشاريع القرارات التي تنتقد أو تدين الإجراءات الإسرائيلية في غزة أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
حيث استخدمتها الولايات المتحدة الفيتو في السنوات الأخيرة ضد قرارات تدين الهجمات الإسرائيلية على غزة أو تدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية واستخدمت استخدام الفيتو في بعض الأحيان لرفض مشاريع قرارات تدعو إلى إرسال قوات دولية أو تحقيقات دولية في انتهاكات حقوق الإنسان في غزة وهو ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية، حيث اعتبر البعض أن هذه السياسة تعيق تحقيق السلام في المنطقة وتعزز من عدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية.
وهنا يتضح لنا ان القوة المهيمنة على العالم بلا منازع "امريكا" ومحاباتها المعلنة لإسرائيل من خلال امدادها المنقطع النظير بالاسلحة الفتاكة والمحرمة بعضها دوليا ونتيجة للدمار الهائل الذي خلفتة الآلة العسكرية الإسرائيلية باسلحة أمريكية فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر ٢٠٢٤ مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة ومن اهم التهم الموجهة اليهم استخدام التجويع كسلاح حرب وفرض حصار على غزة أدى إلى نقص حاد في المواد الأساسية، مما أثر سلبًا على حياة المدنيين والقتل والاضطهاد وتنفيذ هجمات عسكرية استهدفت المدنيين والبنية التحتية المدنية وقتلهم للابرياء.
هنا جاءت غطرسة وهيمنة الادارة الأمريكية بادارة ترمب باستخدام "قانون القوة" ضاربا "قوة القانون" بعرض الحائط حيث فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك حظر حصول مسؤوليها على تأشيرات أمريكية ومنعهم من إجراء معاملات مالية مع الولايات المتحدة، احتجاجًا على إصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغلانت ،وسبق ذلك رفض الحكومة الإسرائيلية هذه المذكرات، واصفة إياها بأنها "معادية للسامية" و"سخيفة وكاذبة".
ولم تكتفِ عنجهية وغطرسة الولايات المتحدة لهذا الحد في بل بلغت غطرستها في الآونة الأخيرة ما أثاره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جدلاً واسعاً بإعلانه عن خطة لتهجير سكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي ١.٧ إلى ١.٨ مليون نسمة، بحجة أن المنطقة أصبحت "غير صالحة للسكن" بعد سنوات من النزاع مقترحا نقل هؤلاء السكان إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، مع إمكانية تقديم دعم مالي من دول أخرى مثل السعودية لتسهيل عملية إعادة التوطين.
هذه المبادرة التي قوبلت برفض واسع من قبل الاردن ومصر و المجتمع الدولي، حيث اعتبرها العديد من الخبراء انتهاكاً لحقوق الإنسان و"تطهيراً عرقياً .
الخلاصة بأن الدولة المهيمنة على العالم بلا منازع قد استخدمت "قانون القوة" وتجاهلت "قوة القانون" والعدالة ولم ترسم تقاطعا واضحا بينهما مما قد يجر الشرق الاوسط و العالم باسرة إلى تشكيل اقطاب معاكسة قد تدفع إلى دق طبول حربعالميةثالثة.
مدار الساعة ـ