أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات جامعات وفيات برلمانيات مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الدراوشة تكتب: السرطان.. لعنة تأبى أن تنتصر وأبطال لا يعرفون الهزيمة


شذى يوسف الدراوشة

الدراوشة تكتب: السرطان.. لعنة تأبى أن تنتصر وأبطال لا يعرفون الهزيمة

مدار الساعة ـ
هناك كلمات لا نحب نطقها، وأسماء نخشى ذكرها، لكنها تفرض نفسها علينا، تقتحم حياتنا بلا استئذان، تغير ملامح الأيام، وتختبر قدرتنا على الصمود. السرطان... الاسم الذي يحمل وجعًا لا يوصف، وخوفًا يتسلل إلى القلوب دون سابق إنذار. إنه المرض الخبيث، اللعين، الذي لا يفرق بين كبير وصغير، لا يهتم بالأحلام التي لم تتحقق، ولا بالضحكات التي لم تكتمل. لكنه، ورغم جبروته، لا يدرك أنه في كل مرة يقترب فيها، يكشف لنا أبطالًا حقيقيين، محاربين يقفون في وجهه بثبات، بإيمان، وبقوة تتحدى الألم.
معركة لا تعرف الرحمة:
عندما يطرق السرطان الباب، لا يكون مجرد مرض، بل زلزال يهز كل شيء. تتغير الملامح، تنقلب الأولويات، تصبح الحياة سلسلة من المواعيد الطبية، الأدوية، والتقارير التي تحبس الأنفاس قبل قراءتها. لكنه ليس مجرد اختبار للجسد، بل للعقل والروح أيضًا. من ينهار أمامه، يمنحه انتصارًا مجانيًا، ومن يقف بوجهه، يثبت أن الإنسان قادر على صنع المعجزات حتى وهو يتألم.
في أروقة المستشفيات، تجد أبطالًا لا يحملون السيوف، لكنهم يخوضون أشرس المعارك. أطفال فقدوا شعرهم، لكنهم لم يفقدوا ضحكاتهم. أمهات تخبئن دموعهن خلف ابتسامات زائفة، وآباء ينطق صمتهم بألف كلمة خوف وحب في آنٍ واحد. هناك، في تلك الغرف الباردة، تُكتب أعظم قصص الشجاعة، وتُرسم ملامح قوة لا تقاس بالعضلات، بل بالقلوب التي ترفض الانكسار.
حين تكون النفسية نصف العلاج:
قد يكون السرطان وحشًا ينهش الجسد، لكنه لا يستطيع الوصول إلى الروح إلا إذا سُمح له بذلك. هنا، تكمن قوة المريض في طريقة مواجهته، في تمسكه بالأمل رغم كل شيء، في إيمانه بأن هذا المرض وإن كان شرسًا، إلا أنه لا يملك الحق في سرقة الحياة قبل أوانها. الابتسامة في وجه الألم ليست مجرد شعار، بل هي سلاح، هي نصف العلاج، وربما هي العلاج كله.
كم من شخص قاوم السرطان بكلمة الحمد لله، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها الشكر لله على كل حال، مهما كان الألم قاسيًا، والظروف صعبة. كم من مريض استلهم قوته من إيمانه، ورفع يديه إلى السماء يدعو، يطلب الشفاء والراحة، ويثق بأن الله لا ينسى عباده. الصلاة كانت له سلوى، والدعاء كان حصنه، بهما واجه هذا المرض الخبيث الذي لا يعرف رحمة.
كان الإيمان هو القوة التي دفعته للاستمرار، حتى في أصعب اللحظات. الحمد لله كانت شعارهم في رحلة العلاج، وكانوا يعرفون أن كل لحظة صبر تساوي أجرًا، وكل دعاء هو نقطة ضوء في ظلمات المرض. أحيانًا، تكون قوة الروح أقوى من كل العلاجات الطبية، وأحيانًا، تجد أن الإيمان والصلاة يمكن أن تكون العلاج الذي يعيد الحياة لجسد فقد الكثير من قوته.
سرق منا أحبابًا... لكنه لم يسرق ذكرياتهم:
نكره السرطان لأنه لم يكن يومًا ضيفًا عابرًا، بل كان لصًا سرق منا وجوهًا أحببناها، أصواتًا اشتقنا لسماعها، وقلوبًا كانت تنبض بالحياة. أخذ منا أحلامًا لم تكتمل، وترك في أرواحنا فجوات لا يسدها شيء. لكنه، رغم كل ما سرقه، لم يستطع أن يمحو الذكريات. لم يستطع أن يطفئ الأثر الذي تركه الراحلون في قلوبنا. لم يستطع أن يجعلنا ننسى من كانوا جزءًا من حياتنا، وظلوا فيها رغم الغياب.
الخاتمة: نحن من نقرر النهايات:
قد يكون السرطان لعنة، لكنه ليس حكمًا نهائيًا، ولا نهاية القصة. نحن من نقرر كيف تنتهي الحكاية، نحن من نختار كيف نعيشها، حتى وإن كنا في وسط العاصفة. المرض قد يكون قويًا، لكن الإرادة البشرية أقوى، والحب الذي يحيط بالمريض أقوى، والأمل الذي يرفض أن يموت أقوى.
إلى كل محارب يقف في وجه المرض، أكتب لك أنت، أنت يا من لديك عزيمة الأنبياء في نشر الدعوة، وصبر أيوب في تحمل الألم. أنت يا من لم تقل كلمة "لماذا؟"، أنت الذي لم تسأل عن الأسباب، بل استقبلت المصير بقلب مملوء بالإيمان، وعينان تنظران إلى الأفق بصبر. أنت الذي كنت دائمًا صاحب الابتسامة، حتى في أصعب اللحظات.
أنت لست مجرد مريض، أنت بطل، مقاتل، وروح لا تنكسر.
وإلى من رحلوا، أنتم حاضرون في كل ضحكة تذكرنا بكم، في كل دعاء يرفع باسمكم، وفي كل قلب أحبكم يومًا وسيظل يحبكم إلى الأبد.
أما السرطان، ذلك الدخيل البغيض، فليعلم أنه مهما حاول، لن ينتصر أبدًا على الإنسان
مدار الساعة ـ