مدار الساعة - كتب الباحث والخبير بالشؤون الاسرائيلية والشرق اوسطية ايمن الحنيطي تحليلا سياسيا أكاديميا لخطة ترامب التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن تناول فيه المسالة من جميع النواحي مع السيناريوهات المحتملة وجاء فيه ..
مقدمة
يتناول التحليل مقترح الرئيس الأمريكي الجمهوري المنتخب حديثا دونالد ترامب بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، ومدى إمكانية قبول هذه الدول لهذا المخطط في ظل المعطيات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية. كما يناقش التحليل الموقف الإقليمي والدولي من هذه الخطة، مع تسليط الضوء على العوامل المؤثرة على قرارات مصر والأردن بهذا الشأن.
أولًا: أبعاد المقترح وأهدافه السياسية
جاءت فكرة ترحيل الفلسطينيين كجزء من الرؤية التي طرحها ترامب في إطار ما سمي في ولايته الاولى ب"صفقة القرن"، والتي كانت تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي في المنطقة لصالح إسرائيل، من خلال تقليل الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
من منظور سياسي، يبدو أن المقترح يهدف إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية:
إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية لقطاع غزة عبر تقليل عدد الفلسطينيين فيه، ما يسهل على إسرائيل السيطرة عليه وإعادة هندسته سياسيًا.
تقويض أي إمكانية مستقبلية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عبر تصدير القضية الفلسطينية إلى الدول المجاورة، وإعادة تعريفها كقضية "لاجئين" بدلًا من كونها قضية تحرر وطني.
تخفيف الضغط العسكري والأمني عن إسرائيل عبر تفريغ غزة من جزء من سكانها، مما يقلل من فرص المقاومة المسلحة أو الانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال.
ثانيًا: الموقف المصري والأردني من المقترح
1. مصر:
القاهرة تدرك أن أي قبول رسمي لهذا الطرح قد يؤدي إلى زعزعة استقرار سيناء، حيث يمكن أن يؤدي توطين أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى تغيير في الديناميات السكانية والأمنية في المنطقة، خاصة مع وجود تهديدات من جماعات مسلحة هناك.
السياسة المصرية تعتمد على "الصبر الاستراتيجي" في التعامل مع القضايا الإقليمية الحساسة، أي الامتناع عن رفض أو قبول المقترح علنًا، بينما تعمل في الخفاء على إفشاله من خلال الوسائل الدبلوماسية.
مصر تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية والدعم الخليجي، وهي في وضع اقتصادي هش، لذا فإنها تحاول تفادي أي مواجهة مباشرة مع واشنطن، لكنها في الوقت ذاته لا تريد تحمل عبء سياسي أو أمني قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية.
2. الأردن:
بالنسبة لعمان، فإن المخطط يُعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأردني، نظرًا لأن الأردن يستضيف بالفعل عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين، وأي محاولة لترحيل سكان غزة إلى أراضيه ستؤدي إلى اضطرابات سياسية واقتصادية، وقد تعيد فتح النقاشات حول "الخيار الأردني"، أي تحويل الأردن إلى الوطن البديل للفلسطينيين.
النظام الأردني يدرك أن قبول هذا المقترح قد يؤدي إلى غضب الشارع الأردني، خصوصًا في ظل وجود حركات معارضة قوية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي قد تستغل هذه القضية لإثارة الرأي العام ضد الحكم.
الأردن يعتمد أيضًا على الدعم الأمريكي والمساعدات الخليجية، لكن القضية الفلسطينية تمثل خطًا أحمر بالنسبة للقيادة الأردنية، ما يجعلها أكثر صلابة في موقفها الرافض لهذا المقترح.
ثالثًا: المواقف الإقليمية والدولية
إسرائيل:
رغم أن الفكرة تبدو في مصلحة إسرائيل على المدى القريب، إلا أنها قد تخلق مشاكل مستقبلية، حيث إن الترحيل القسري قد يولد مقاومة فلسطينية أكبر، إضافة إلى أنه سيضع إسرائيل تحت ضغوط دولية.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية قد تستغل الأزمة الحالية لمحاولة تنفيذ الترحيل التدريجي، مستغلة الفوضى في غزة بعد الحرب الأخيرة.
الولايات المتحدة:
إدارة ترامب سعت لفرض رؤية جديدة للصراع العربي-الإسرائيلي، ولكن بعد رحيله، تغير الموقف الأمريكي نسبيًا تحت إدارة بايدن، حيث عاد التركيز إلى الحلول الدبلوماسية بدلًا من الحلول القسرية.
الدول العربية الأخرى:
دول الخليج مثل السعودية والإمارات تسعى للحفاظ على توازن حساس، حيث إنها تدعم فلسطين دبلوماسيًا، لكنها في الوقت نفسه لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن أو إسرائيل.
إيران وتركيا قد تستغل هذا المقترح لحشد الرأي العام الإسلامي والعربي ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ما يعزز نفوذهما في المنطقة.
رابعًا: السيناريوهات المستقبلية
استنادًا إلى المعطيات السياسية، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
إجهاض الخطة دبلوماسيًا:
مصر والأردن ستواصلان استخدام الأدوات الدبلوماسية والضغوط الدولية لمنع تنفيذ أي عمليات ترحيل قسري.
سيتم توظيف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين كأدوات ضغط على واشنطن للحد من تنفيذ مثل هذه السياسات.
تصعيد في غزة بهدف إجبار الفلسطينيين على الرحيل
في حال استمرار الحرب أو تدهور الأوضاع المعيشية في غزة، قد يتم دفع السكان نحو الهجرة القسرية غير المباشرة، بحيث يخرجون من غزة طوعًا بسبب الظروف الصعبة، وليس عبر اتفاق رسمي.
الضغط على مصر والأردن لقبول "الحل الوسط"
قد يتم تقديم مقترحات "مخففة" لمصر والأردن، مثل توطين أعداد محدودة جدًا من الفلسطينيين مقابل حوافز اقتصادية، وهو سيناريو غير مرجح لكنه يبقى قائمًا.
خاتمة: لماذا سترفض مصر والأردن هذا المقترح؟
الأبعاد الأمنية: كلا البلدين يخشيان من تداعيات ديموغرافية وأمنية خطيرة، خاصة في سيناء والأردن.
التداعيات السياسية الداخلية: قد يؤدي القبول بالمقترح إلى اضطرابات سياسية واحتجاجات في الشارع المصري والأردني.
الضغوط الدولية: أي عملية تهجير قسري للفلسطينيين ستواجه رفضًا دوليًا، وستضع مصر والأردن في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.
الحفاظ على مكانتهما الإقليمية: مصر والأردن تلعبان دورًا رئيسيًا في الملف الفلسطيني، وقبولهما بهذا المقترح سيؤدي إلى تآكل نفوذهما الإقليمي.
في النهاية، يبدو أن مقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن غير واقعي سياسيًا وأمنيًا، وأنه سيواجه رفضًا حاسمًا من قبل الدول المعنية، رغم الضغوط الأمريكية المحتملة.