يحتفل الأردنيون في الثلاثين من كانون الثاني بعيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وهو احتفال ليس مجرد مناسبة وطنية، بل محطة للتأمل في مسيرة قائد كرّس حياته لخدمة شعبه وأمته، وسجّل اسمه في التاريخ بمواقفه الثابتة ورؤيته الحكيمة. فمنذ توليه العرش عام 1999، حمل الراية بثقة واقتدار، ليواصل مسيرة الهاشميين في العدل والإنسانية، وليؤكد أن القيادة ليست مجرد سلطة، بل مسؤولية تاريخية تستوجب العمل الدؤوب والتفاني في خدمة الوطن.
الملك عبدالله الثاني لم يكن يومًا بعيدًا عن شعبه، بل ظل قريبًا من همومهم وتطلعاتهم، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ويسعى بلا كلل لرفع مستوى معيشتهم وتعزيز استقرارهم. فهو القائد يطوف المدن والقرى والبوادي والمخيمات، يصافح أبناء شعبه، يستمع إليهم، ويضع حلولًا واقعية لتحدياتهم. مواقفه الإنسانية ليست مجرد مشاهد بروتوكولية، بل انعكاس لنهج هاشمي أصيل في الحكم، حيث يكون القائد هو الأب والأخ قبل أن يكون الحاكم.
على الساحة الدولية، ظل الملك عبدالله الثاني نصيرًا للقضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي شكلت حجر الزاوية في مواقفه الإقليمية والدولية. لم يتراجع قيد أنملة عن دعمه المطلق لحقوق الفلسطينيين، وكان صريحًا وحاسمًا حين أعلن لاءاته الثلاث: "لا للوطن البديل، لا للتوطين، لا للتنازل عن القدس." هذه اللاءات لم تكن شعارات مرحلية، بل مبادئ راسخة رسمت مسار السياسة الأردنية تجاه فلسطين، مؤكدة أن الأردن سيظل الحارس الأمين على الحقوق الفلسطينية، والرافض لأي حلّ ينتقص من عدالة قضيتهم. لقد أكد مرارًا أن القدس خط أحمر، وأن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ليست محل تفاوض أو مساومة، بل مسؤولية تاريخية تتوارثها العائلة الهاشمية عبر الأجيال.
إلى جانب مواقفه السياسية الصلبة، لم يدخر الملك عبدالله الثاني جهدًا في تقديم العون الإنساني للشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، الذي يعاني ويلات الحصار والعدوان. لم يكن دعمه لغزة مجرد كلمات دبلوماسية، بل كان فعلاً ملموسًا تجسد في إرسال المساعدات الإغاثية والطبية، بل وأكثر من ذلك، صعد جلالته شخصيًا على متن إحدى الطائرات العسكرية التي قامت بإلقاء المساعدات جواً إلى سكان القطاع المحاصر، في موقف نادر بين قادة العالم، يعكس مدى التزامه الشخصي بالقضية الفلسطينية. كما استمر في دعم المستشفيات الميدانية الأردنية في غزة، التي تعمل بلا انقطاع لتقديم الرعاية الطبية للجرحى والمصابين. لم يكتفِ بذلك، بل واصل جهوده الدبلوماسية لحشد التأييد الدولي لوقف الاعتداءات على غزة، ورفع المعاناة عن أهلها، وإعادة إعمار ما دمرته الحروب.
في عيد ميلاده، لا يحتفي الأردنيون فقط بذكرى ميلاد قائدهم، بل يجددون العهد والوفاء لزعيم كرّس حياته لخدمتهم، وحمل همّ الأمة على كتفيه دون تردد. إنه قائد لم يتوانَ يومًا عن اتخاذ المواقف الصائبة، حتى وإن كانت مكلفة، ولم يرضَ بأن يكون إلا صوتًا للحق وعدوًا للظلم. في زمن تتغير فيه المواقف، وتُباع فيه المبادئ، بقي الملك عبدالله الثاني ثابتًا على مواقفه، يحمل الأردن بثقة في خضم العواصف، ليظل الوطن شامخًا، حرًا، مستقلاً، وعصيًا على كل محاولات الابتزاز أو الضغوط.
كل عام وأنت بخير يا سيد البلاد، وكل عام وأنت رمز العزة والكرامة، وحامي الحق في زمن المتغيرات.