دعونا نعترف: ليس كل يوم نسمع عن شاب يحاول بيع “هواء السلط” في زجاجات.
لكنها ليست مجرد نكتة عابرة أو تصرف شبابي طائش، بل مرآة تعكس واقعنا ومآسي طموحاتنا المعبأة داخل زجاجات بلاستيكية تُغلق بإحكام، تمامًا كما تُغلق أبواب الفرص في وجوه الشباب.
لكن لنتوقف للحظة ونسأل: كيف وصلنا إلى هنا؟
ما الذي يدفع شابًا أن يقف في شارع الستين، متفاخرًا بأنه “عبر القارات” بفضل فكرة بيع الهواء؟ هل هي العبقرية أم اليأس؟ الإجابة، كما يبدو، مزيج من الاثنين، مع رشة كوميديا سوداء على الطريقة الأردنية.
الشاب، كما رأينا جميعًا في بثه المباشر، كان يقدم منتجه بكل ثقة وكأنه يسوّق لاختراع عالمي.
تخيلوا معي المشهد: شارع الستين، أحد أجمل الأماكن في السلط، يعج بالناس الذين توافدوا لا لشراء الهواء، بل لمشاهدة كيف يمكن لشخص أن يضع “طموحاته الوطنية” في قنينة بلاستيكية! ووسط ذلك، يبرز تصريح الشاب أن هدفه هو مزج “هواء السلط بهواء الأراضي الفلسطينية المحتلة”. وهنا تتضح المفارقة الساخرة: في الوقت الذي يتصارع فيه العالم على الموارد الحقيقية، نحن نحاول تصدير الهواء… مجازيًا وحرفيًا.
الجدية خلف السخرية
من السهل أن نضحك على هذا الحدث، لكن الأصعب هو أن نتوقف عند معانيه العميقة.
هذه الحادثة ليست فقط عن شاب يريد بيع “نسمة هوا”، بل عن شباب يبحثون عن أية نافذة لتحقيق الذات، حتى لو كانت النافذة تطل على عبوة فارغة.
إنها قصة جيل يواجه انسداد الأفق الاقتصادي والسياسي، فيجد نفسه مضطرًا لابتكار أفكار خارجة عن المألوف، بغض النظر عن مدى غرابتها.
الملفت للنظر أن الشاب، رغم كل السخرية، لم يكن يهدف للربح فقط.
بل حاول تقديم رسالة رمزية (وإن كانت مربكة)، لربط السلط بفلسطين، وكأنه يقول: “حتى الهواء لدينا مرتبط بالنضال”. لكن للأسف، ما حدث هو أن “السيستم” استنفر ضد هذا الابتكار، بدلاً من أن يبحث عن الأسباب التي دفعت شابًا كهذا لمثل هذا التصرف.
نحن هنا لأن شبابنا يشعرون بأن العالم ضاق عليهم، وبأن أفكارهم لا تجد من يحتضنها.
نحن هنا لأننا نحاول أن نغطي مشاكلنا الحقيقية بنكات على فيسبوك وبث مباشر على إنستغرام. نحن هنا لأن الشباب أصبحوا مزيجًا من الابتكار واليأس، والنتيجة كانت عبوات هواء تُباع على قارعة الطريق.
في النهاية، قد يكون “هوا السلط” مجرد نكتة عابرة، لكن خلفه سؤال جاد يجب أن نطرحه: متى سنكف عن بيع الأحلام الفارغة لشبابنا؟