جميل أن يتزامن الفرح الشامي الذي ينداح عطره من سوريا الآن وبالتحديد من لاذقية الشام، مسقط رأس الشيخ المجاهد عزالدين القسام، مع الفرح الذي لاحت بشائره الآن في غزة فلسطين التي استشهد على ثراها الطهور الشيخ القسام ليتولى من بعده فرسان المقاومة الفلسطينية الأطهار حمل الرسالة وإكمال المشوار النضالي حتى منتهاه!!
فأثمر الصبر الفلسطيني والذكاء الفلسطيني والجهاد الفلسطيني ناراً ونوراً ونواراً، اعترف ببسالته النادرة العالم بأسره بما في ذلك الأعداء الصهاينة الذين وثقت وسائل إعلامهم وكبار جنرالاتهم وسياسييهم النصر الفلسطيني شفويا وخطيا واعترفوا بالانكسار الصهيوني كحقيقة واقعة!!
واستشهد بهذا الصدد ببيت من الشعر يقول:
شهد الأنام ببأسهم حتى العدى ـــ والفضل ما شهدت به الأعداء
جميل أن يثمر الكفاح والصبر السوري الجميل نصرا على الطغاة الظالمين المقبور حافظ الأسد والمدحور بشار الذي كان بمثابة "رهينة في قفص يقول ما قيل له كما تقول الببغاء"، وشلة الشبيحة والمنافقين والمجرمين الذين اختطفوا سوريا نيفاً وخمسين خريفاً، كانت بضاعتها المتداولة هي المكابس والزنازين والكبتاجون والسرقة والكذب وصناعة الموت!! فكان مصيرهم الزوال إلى مزبلة التاريخ!
نعم.. إنه الصبر الذي وضعه الباري عز وجل في مرتبة قبل الصلاة حين قال في محكم كتابه العزيز: (واستعينوا بالصبر والصلاة).. هذا الصبر الذي استعنا به .. وتحزمنا به .. وتجرعنا مرارته طيلة نيف وسبعين حولا،، ومضى معنا خلال تلك الحقبة فوضعناه في الحزام كمفتاح للفرج إلى جانب مفتاح فلسطين الذي يتوسط الحزام الذي يشد أزرنا.. وها قد جاء أوان المفتاحين وجاء الفرج على وقع النشيد الوطني الفلسطيني (أنا كالقيامة ذات يوم آت).. وها قد جاء اليوم .. وجاء حصاد الطوفان .. وجاء حصاد الصبر.. وبالمناسبة فإن مفتاح فلسطين في الزنار جاهز!
جميل هذا التزامن القومي الجميل الذي ردّ الروح لنا.. وأطفأ الظمأ القومي المزمن في دواخلنا تماما كما يطفئ شهد الرضاب الحلال لظى القلوب العطشى!!
جميل أن تشهد الدنيا بأسرها لفضل وبأس وانتصار المقاومة الفلسطينية الباسلة على العدو الصهيوني، هذا الانتصار الممهور بالتضحيات الجسام التي لا تقوى على احتمالها دول عظمى .. ودماء أطفال ونساء وشيوخ عطرت الثرى الغزاوي الفلسطيني المقدس فتحقق النصر المؤزر بحول الله حين تجلت آيات الله في غزة.. غزة الأرض والمقاومة والحاضنة الشعبية والحجر والشجر والطير الفلسطيني المقاوم الذي مزق بمنقاره علم الصهاينة على مرأى من الجميع!! واعترفت دول العالم بهذا النصر المؤزر بما في ذلك وسائل الإعلام الصهيونية التي دونت بكلام واضح انتصار المقاومة الفلسطينية وانكسار سياسة الغطرسة والعدوان ولغة القوة التي انتهجها (نتنياهو) بعنادٍ وغباء لا مثيل لهما!! إذ لم يتعظ هذا العبيط بمن سبقه من القادة الإسرائيليين الذين هربوا بجلودهم وتركوا المستوطنات خلفهم حين أدركوا أن غزة هي مقبرة الغزاة!!
واستحثكم وإياي لاستعراض فصول ومجريات التمرين الحي الفلسطيني منذ بداية طوفان الأقصى وحتى الهدنة والتي سوف تسفر عن انسحاب عساكر العدو الصهيوني بآلياتهم وحفاظاتهم وزناختهم وحقدهم النازي من أرض غزة الطاهرة وخروج الآلاف من اشقائنا وشقيقاتنا المناضلين الفلسطينيين من زنازين العدو الصهيوني.. خاوة!!
ولا يفوتني بهذا الصدد أن أشير إلى اللفتة الذكية من قبل حماس التي تضمنت تقديم شهادات تقدير باللغتين العربية والعبرية وهدايا تذكارية للأسيرات الإسرائيليات الثلاث، فأظهرت هذه الخطوة سمو ورقي حضارتنا العربية وسماحة ديننا الإسلامي الحنيف في التعاطي مع الأسرى والمعاملة الحسنة التي تلقتها الأسيرات خلال تواجدهن في غزة العزة، في حين نضع اليد على القلب تجاه مصير شقيقاتنا الماجدات الفلسطينيات اللواتي يرزحن تحت التعذيب والتنكيل في زنازين العدو الصهيوني، وأكبر دليل على ما أقول شقيقتنا المناضلة خالدة جرار التي بدت معالم التعذيب والقهر بادية على محياها وهي تغادر الزنزانة الانفرادية التي تمثل بشاعة العدوان الصهيوني النازي البغيض.
وأترك للعالم بأسره شعوباً ودولاً الحكم وعقد المقارنة بين الحضارة العربية الإسلامية والهمجية الصهيونية النازية. فشتان بين الحضارة العربية والحقارة الصهيونية!!.
واستمحيكم العذر لأبوح بكلام عن سوريا الحبيبة ولها.. لفيحاء الدنيا التي احتضنتني أربعة أعوامٍ حسوماً فأبهج خاطري عودة روح الحرية إلى أوصالها المنهكة وأقول: لي فيك يا سوريا بطولة غرستها بلدة (جبلة) بمحافظة اللاذقية التي انجبت الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي انتصر لسوريا الحبيبة حين قاوم الاستعمار الفرنسي.. وانتصر للأشقاء في ليبيا حين وقف في وجه الاستعمار الإيطالي.. وانتصر لفلسطين الغالية حين قاوم الاستعمار الإنجليزي واستشهد على ثرى فلسطين الطهور مقبلاً لا مدبر في معركة (يعبد) بالقرب من جنين,, نعم استشهد صاحب المقولة المشهورة (الجهاد رفيقه الحرمان والصبر)!! وارتحل الفارس المغوار إلى جوار ربه راضياً مرضياً.
ولي فيك يا جلق، نسائم بطولة تجاور المسجد الأموي حيث يرقد ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي عزيزا في قلب المدرسة العزيزية.. نعم.. صلاح الدين والدنيا وبطل معركة حطين وتحرير بيت المقدس من براثن الصليبيين... البطل الذي ما يزال اسمه وصيته وحضوره يجلجل في سماء الغرب وأسماع ناسه!!
ويتردد صدى المجد العظيم من سوريا ليلاقي ترداده الصادق في كرك المجد والتاريخ التي تحتضن في قلب قلبها حضور صلاح الدين مجسدا بتمثاله المهيوب بكامل قيافته وعنفوان المجد في إهابه!! وكنت خلال وجودي في (خشم العقاب) اضرب تعظيم سلام كل صباح للبطل المهيب الذي يجاور من حيث المكان مصطبة القدس في الكرك، مثلما يجاور شغاف القلب من حيث المكانة والرفعة!! وكنت أكحل العين بمرأى الفارس الشجاع مع طالع شمس كل يوم وهو يمتطي جواده ويشير بالسبابة والسيف نحو الغرب حيث مهوى الأفئدة وبوصلة القلوب فلسطين العزيزة!!
ولي فيك – يا ذات المجد، عبق السويداء وبالتحديد بلدة (القريا) التي أنجبت المرحوم سلطان باشا الأطرش -طيب الله ثراه- الزعيم الوطني وقائد الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي والنصير القوي للشهيد يوسف العظمة.. وكان أول من رفع علم الثورة العربية الكبرى على أرض الشام قبل دخول المغفور له الملك فيصل الأول – طيب الله ثراه-.. وكان سلطان باشا الأطرش في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق في العام 1918م بعد رفع العلم العربي في ساحة المرجة فوق دار الحكومة بدمشق وقد منحه الملك فيصل لقب (باشا) لشجاعته النادرة!
ويتردد صدى البوح والفرج الذي تعيشه السويداء وسوريا على وجه العموم ليصل مداه إلى كرك التاريخ والمجد التي احتضنت بكل حفاوة وتقدير سلطان باشا الأطرش ورفاقه الأبرار عند إبعادهم من سوريا إلى الأردن وبالتحديد إلى مدينة الكرك.. ففتحت (خشم العقاب) للثائر الوطني السوري الكبير قلبها الكبير،، ووضعت بيوتها كلها لتغدو بيت ضيافة كبير للشقيق والوطني الثائر ورفاقه المناضلين الأطهار، ومن بينهم المناضل قاسم الشرع جد السيد أحمد الشرع رئيس الإدارة السورية الذين حلوا بين أهلهم في الكرك وتبوأوا صدر البيت في خشم العقاب!! وقد أكد هذا الأمر السيد الشرع لدى استقباله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السيد وليد جنبلاط حين قال أن والد جده المناضل قاسم الشرع كان رفيق سلطان باشا الأطرش وأحد المجاهدين في الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، وأقام في الأردن مع الزعيم الأطرش وكان للزعيمين دور كبير في إسناد ودعم نضال الشهيد يوسف العظمة طيب الله ثراه.
ولي فيك يا جنة الدنيا بهاء وحضارة حلب الشهباء، التي أنجبت أحد مؤسسي الفكر القومي ورواد النهضة العربية المفكر الكبير عبدالرحمن الكواكبي، عدو الاستبداد وحارس العقل الذي ألف كتابا ترجم إلى الفرنسية بعنوان: (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) والذي دون خلاله مرافعة مرموقة تدين الاستبداد وسطر مقولة خالدة اقتطف منها بضعة سطور تقول: (لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر .. وأبي الظلم.. وأمي الإساءة .. وأخي الغدر.. وأختي المسكنة.. وعمي الضُّر .. وخالي الذل.. وابني الفقر.. وبنتي البطالة.. وعشيرتي الجهالة.. ووطني الخراب.. أما ديني وشرفي وحياتي فهو المال.. المال.. المال!!).
وكان الكواكبي مصدر قلق لكل المستبدين في العالم.. وبعد استشهاده مسموما، احتضنت القاهرة جثمانه حيث ووري التراب في جبل المقطم بالقاهرة.. وكتب الشاعر المصري المعروف حافظ إبراهيم بيتين من الشعر على شاهدة قبره قال فيهما:
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى .... هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا واقرأوا أم الكتاب وسلموا ... عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
ولي فيكِ، يا فيحاء الزمان، حكايات لا تخلو من الطرافة، كنا نتداولها بعد التخرج من جامعة دمشق أنا وابن عمي الراحل عبداللطيف الطراونة رحمه الله.. وقد عايشت بعضها في وقت لاحق.. وها أنذا أروي أحداها على لسانه لأن أطلق مني لسانا ولأنه أيضا كان أكثر التصاقا بمجرياتها.. حيث يقول:
خلال دراستي في جامعة دمشق كان شاب أردني وسيم الطلعة وهو بالمناسبة كركي وتلحمي الولادة.. يدرس الهندسة الزراعية في جامعة حلب، واعتاد أن يزورنا في جامعة دمشق في نهاية كل أسبوع، وما أن يصل إلى حرم الجامعة حتى يدلف إلى نادي الطلبة فيتحلق الجميع من حوله على الفور.. وتدور حلقات الحوار القومي حال وصوله... وقد رزقه الله عز وجل من طيب القسمات والوسامة وفصاحة البيان والانتماء القومي قسطاً وافراً، جعله يأسر كل من حوله بأسلوبه القومي المقنع، حين يتحدث عن فلسطين العزيزة ووحدة الأمة العربية كأسلوب ناجع لتحريرها من الاحتلال الصهيوني,, وكانت العبارات الجميلة تنساب على لسانه كانسياب مياه (بردى) في أيام عزه!! فقد كان يختار كلماته بدقة متناهية ويسوقها بأسلوب جميل ومقنع، تظلله ابتسامة محسوبة حيناً.. وشفيفة في أحايين كثيرة.. وكانت طالبات الجامعة يشدهن سحر البيان والربط بين الأمة والقضية ومشهد الوسامة وهي تتحدث بالسياسة.. أما نحن الشباب فقد كان يشدنا إليه منطقه القومي الآسر وعشقه العميق لفلسطين العزيزة .. وكنا نخوض في شتى المواضيع القومية ونتفق حول المبادئ العامة، ونختلف قليلا حول بعض الجزئيات.. ونتفق ,, ونختلف في النقاش. لكننا في المآل الأخير نتفق حول المبادئ القومية السامية.. أما عن اللغة التي كان يستخدمها هذا الشاب القومي الأنيق ويطوعها بسهولة فكانت تقف على تخوم العربية الفصحى والمطعمة ببعض المصطلحات والقفشات الشامية وروح الدعابة الجادة، الأمر الذي كان يشدنا نحوه أكثر فأكثر.. وللأمانة فقد كان الرجل واسطة العقد لا بل المايسترو في كل جلسات النقاش التي تجمعنا حيث يستمر الحوار لساعات لا نشعر بمرورها.. واستميحكم العذر فقد فاتني أن أقول بأن أول حرف من اسم هذا الشاب القومي الوسيم هو (معالي سمير الحباشنة) والذي تجمعني وإياه روابط الانتماء القومي وأواصر القربى والصداقة المتينة والجغرافيا.. ويضيف المتحدث فيقول: ما أن نفرغ من الحديث في السياسة حتى يميل نحوي ويخاطبني باللهجة المحلية التي عشنا معها كلانا ونتداولها ونحبها فيقول بلهجة كركية محببة: (عبداللطيف.. يا كايف لِدْ عَليّ جاي.. دخلك ذقت علوم عن المطر في الأردن,,,, وتشيف (كيف) الموسم عند أهلنا في الديرة.. عساه زين!!
وبمجرد الشروع في حديثنا الثنائي، وما يحمله من انقلاب لغوي ملحوظ،، كنت أرقب تسلل البعض خلسة من الجلسة..!! فتداركت الأمر وقلت له: يا خوي يا سمير.. نريدك وسيما مبتسماً ومصموداً .. تتحدث في السياسة وباللغة العربية الفصحى التي تطوعها كيف تشاء.. ليس انتقاصا لا سمح الله من لهجتنا المحلية التي نحبها كثيرا،، بل لأن الجماعة لا يفهمون شيفرا ما نقول.. فيطلق صديقي سمير ابتسامة عريضة ويقول: فكرك يعني!؟.. ثم نضحك معاً ونعود لمواصلة النقاش مع زملائنا في نادي الطلبة..! رحم الله ابن عمي الغالي وأطال في عمر العزيز معالي أبو الفهد.
وإني أسأل سؤال العارف وأقول: إن اللغة العربية.. لغة الضاد الجميلة تجمعنا.. والانتماء القومي يجمعنا.. والحديث عن أمتنا العربية يجمعنا.. وغلاوة فلسطين تجمعنا.. وروح الوحدة العربية تجمعنا.. والمصير المشترك يجمعنا.. والآمال القومية والآلام العربية تجمعنا.. ولا يفرقنا سوى اللهجات المحلية المنتشرة في كافة أرجاء وطننا العربي والتي تفنن قرنا استشعار الاستعمار الغربي الثنائي الترح سايكس وبيكو في رسم خطوطها المصطنعة على صفحة الخريطة العربية الواسعة.
نعم، نسأل ونقول: لماذا لا تتحقق وحدتنا العربية؟!! نسأل ونقول بالله المستعان.
وعود على بدء أقول: يبهج أرواحنا وأفئدتنا تزامن الفرح القومي في سوريا وغزة العزة وطوبى للسواعد الفلسطينية التي تصنع النصر،، وطوبى للشهداء الأبرار،، وطوبى للسواعد القومية التي تصنع مجد الأمة.