(3-3)
وفي هذا المقال فانني ساتطرق الى ما كلفنا بانجازه في جامعة البلقاء التطبيقية في تموز عام 2016، حيث كانت اول مهمة كانت تكليف الجامعة باعداد برنامج خاص لتاهيل حوالي 250,000 شخص لم يحالفهم الحظ في الثانوية العامة او لم يتقدموا لامتحانها (الرقم تراكمي)، وهي المهمة التي نفذت بالتعاون مع خبراء من القطاع الخاص، وتم اعتمادها من قبل مجلس التعليم العالي في اب 2016، واطلق عليها برنامج الدبلوم الفني، وتم المباشرة في تتنفيذها منذ بداية العام الجامعي 2016/2017، الا انه تم التراجع عن الية التنفيذ التي اتفق عليها مع التعليم العالي في عام 2019، وتم نقل البرنامج لهئية تنمية وتطوير المهارات بمخاطبة رسمية من الجامعة.
بعد اطلاق الاستراتيجية الوطنية في ايلول 2016 كان احد المحاور الرئيسية محور اصلاح التعليم التقني والتطبيقي على مستوى الدرجة الجامعية المتوسطة وهي من مهام جامعة البلقاء التطبيقية.
قامت الجامعة بوضع خطة تنفيذية للاصلاح والتطوير منبثقة من االرسائل الملكية والخطة الاسترتيجية وخطة المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية وبالتشاركية مع ديوان الخدمة المدنية وغرفة الصناعة والتجارة ونقابة الدعم اللوجستي ونقابة المهندسين والمهندسين الزراعيين واصحاب المهن الميكانيكية وغيرها من مؤسسات القطاع الخاص ذات العلاقة، يضاف اليها دراسة احتياجات سوق العمل، اخذين بعين الاعتبار التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال.
انطلقت الجامعة انذاك معتمدة على توفر الارادة السياسية العليا لاصلاح التعليم المهني والتقني، وعملت على ترجمة الرؤى الملكية في خطوات تنفيذية وفق جدول زمني ومؤشرات اداء (من هيكلة برنامج الدرجة الجامعية المتوسطة وتحديث الخطط الدراسية ورفع اعداد الطلبة بالتخصصات التقنية والتطبيقية في الجامعة للوصول الى نسبة 50% من اجمالي اعداد الطلبة بحلول 2025 (كان عدد الطلاب الدرجة الجامعية المتوسطة في الجامعة 7291 طالباً يدرسون في 173 تخصص، واجمالي عدد الطلبة في مستوى الدرجة الجامعية في كافة كليات المملكة بواقع 18154 طالباً)، وهيكلة كليات الهندسة التكنولوجية والحصن ومعان وانشاء كلية السلط التقنية في مركز الجامعة (لتصبح كليات بولتكنيك) والاستمرار في تحديث البنية التحتية لبقية كليات الجامعة، اخذين بعين الاعتبار ايضاً بان تحقيق الاهداف يحتاج الى مصادر تمويلية كانت غير متوفرة لدى الجامعة، خاصة ان هذا النوع من التعليم كان يكلف الجامعة سنوياً حوالي 17 مليون دينار مقابل ايراداته التي لا تتجاوز 3 مليون دينارفي عام 2015 وكذلك 2016.
قدرت تكلفة خطة الجامعة انذاك بحوالي 32.5 مليون دينار، وتم ارسال الخطة التنفيذية بمخاطبة رسمية لمعالي وزير التعليم العالي الدكتور عادل الطويسي بتاريخ 26/12/2016، وهو الذي سعى لاعتمادها من قبل مجلس الوزراء، وقد تم ذلك في شهر ايار 2017.
كنتيجة لذلك تم رفع قيمة الدعم المقدم من وزارة التعليم العالي الى 8 مليون دينار لعام 2017 الا انه ومع كل اسف انخفض بعد ذلك الى اقل من النصف، مما اظطر الجامعة لاتخاذ مجموعة من القرارات والاجراءات ومنها هيكلة رسوم الدرجة الجامعية المتوسطة التي ادت الى زيادة في ايرادات هذا النوع من التعليم من اقل من 3 مليون دينار لعام 2016 الى اكثر من 19 مليون دينار منذ عام 2020 واستمر الامر في عام 2021 (وهو الامر الذي لم يوافق عليه معالي الدكتور الطويسي عام 2017، الا ان القرار كان قد اتخذ من قبل الجامعة، ولم يمارس معاليه اي نوع من الضغوط علينا من منطلق ايمانه بان الجامعات مستقلة وتتحمل مسوؤلية قراراتها)، وهذا كان احد العوامل الرئيسة التي اخرجت الجامعة من ازمتها المالية (التي عانت منها لسنوات) وتطوير بنيتها التحتية والتكنولوجية لتقديم التدريب العملي عالي الجودة واكساب الطلية المهارات اللازمة لهم للمنافسة في سوق العمل.
بدأت الجامعة بتنفذ خططها بشكل مستقل وبدعم من المبادرات الملكية السامية (لتطوير كلية معان وانشاء مشاغل هندسية ومختبرات حديثة فيها وكلية الشوبك)، وبدعم من الجهات الدولية المانحة (من مؤسسة KOICA الكورية خلال الاعوام 2018-2020 بقيمة 250,000 دولار لانشاء المركز الاردني الكوري للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و413,000 دولار لتطوير الخطط الدراسية و6 مليون دولار لتاهيل كليتي الكرك واربد، وحصلت على دعم من الحكومة الايطالية عن طريق وزارة التخطيط، والتي وافق مجلس الوزراء بتاريخ 2/6/2019 بتخصيص مبلغ 15.5 مليون دينار من قيمة الدعم الايطالي لاعادة تاهيل كلية عجلون وانشاء كلية تقنية في جرش، وتم انشاء مركز العقبة للهندسة البحرية بدعم دولي وتم افتتاحه تحت رعاية جلالة الملك بتاريخ 17/2/2020، ومشروع الاندماج الاوروبي للتشغيل بحوالي 4.5 مليون دينار وغيرها من المؤسسات الدولية الالمانية واليابانية والفرنسية ومؤسسات القطاع الخاص كشركة البوتاس العربية (التي تحملت تكاليف انشاء مختبرات الكرك للصناعات الكيماوية) وغيرها، يضاف الى ذلك حصول الجامعة على تجهيزات ومعدات من وزارة العمل قدرت تكلفتها بحوالي مليون دولار (كانت في احد مراكز التدريب وغير مستخدمة، وهي مبادرة تقدر لوزارة العمل)، وانشاء اكاديمية هواوي على نفقة الشركة لتدريب الطلبة على التكنولجيا الحديثة، وتم افتتاحها بحضور السفير الصيني بتاريخ 23/10/2019، وكذلك مركز تكنولوجيا التعليم والتعلم، 2019. بالمناسبة كان لمركز تكنولوجيا التعليم والتعلم والمركز الاردني الكوري للاتصالت وتكنولوجيا المعلومات والذي ادارتهم احدى الزميلات من اعضاء الهئية التدريسية بمنتهى الكفاءة والجدارة وبالتنسيق مع مركز الاستشارات والتدريب الذي ابدع مديره انذاك وبطريقة غير تقليدية لايصال المهارات الى كافة المتدربين وباشراف من النائب الاكاديمي صاحب النظرة الثاقبة وبمتابعة حثيثة من رئاسة الجامعة لمراقبة مؤشرات الاداء خطوة بخطوة، الدور المحوري لانجاح هذا النوع من التعليم خلال جائحة كورونا، لا بل لانجاح عملية التعليم الاليكتروني بشكل عام وبالتنسيق وعلى مدار الساعة مع العاملين في مركز الحاسوب وغيرهم من بعض اصحاب الكفاءة التي تحترم.
تنفيذاً لخطة الجامعة فقد تم ايقاف القبول مباشرة في 100 تخصص لا يحتاجها سوق العمل على الاطلاق (اتهمنا عندها باننا جزارين)، وتم استحداث 27 تخصص جديد (تم نقل عدداً منها من تجارب اوروبية وكورية ناجحة)، وتم دمج التخصصات في حقول (حقل التخصصات الهندسية، والتطبيقية، والانسانية والشريعة) وتطوير الخطط الدراسية (بالتعاون مع خبراء دوليين ومن القطاع الخاص اصحاب المعرفة بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل) بحيث اصبحت تعتمد المهارات والكفايات المهنية والحياتية والوظيفية والعملية والاقتصاد المعرفي وتم تطبيقها منذ بداية 2017/2018.
وصفت اجراءات الجامعة انذاك بالمبدعة والخلاقة (صفحة 65، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي 2017)، تبعها تحديث الية امتحان الشامل ليصبح قائم على قياس الكفايات والمهارات وبمشاركة ممتحنيين من القطاع الخاص منذ عام 2019 (وهي الخطوة التي وصفت من قبل المشاركين في المشروع الاوروبي "الدعم التقني لمهارات التشغيل" بخطوة كبيرة لردم الهوة بين اصحاب العمل وحاجات السوق والمفاهيم الاكاديمية)، وتدريب المدرسين في مؤسسات دولية (فرنسية والمانية ومختبرات شركة تويوتا وميتسوبيشي اليابانية والكورية وغيرها)، وانشاء كلية السلط التقنية عام 2018، وحصلت الجامعة انذاك على موافقة مجلس التعليم العالي في عام 2017، للسماح للطلبة الملتحقين في التخصصات الراكدة والمشبعة على مستوى درجة البكالوريوس للالتحاق باحد برامج التعليم التقني والتطبيقي على مستوى الدرجة الجامعية المتوسطة المطلوبة لسوق العمل في نفس الوقت.
عملت الجامعة منذ عام 2017 على دراسة النماذج العالمية لتطوير المسارات المهنية، واعدت برنامج مطور متوافق مع الاطار الوطني للمؤهلات، يحمل اسم المسارات المهنية التجسير والنفاذية ومنح الشهادات المهنية في عام 2018 (بعد ان تم مناقشته مع ممثلي القطاع الخاص والنقابات المعنية ومؤسسات دولية مثل GIZ والكورية والفنلندية والفرنسية وغيرها (لايماننا بان القطاع الخاص هو المشغل الحقيقي والمحرك لسوق العمل والاقتصاد) وهو البرنامج الذي اعد بعناية فائقة واكان يحتوي على خطة التحاق 25% من طلبة الصف التاسع بالمدارس المهنية و 25% في مراكز التدريب المهني و50% في المسار الاكاديمي، بحيث يتم من خلاله النفاذ لطلبة المدراس المهنية ومراكز التدريب المهني الانتقال لمستويات مهنية اعلى وصولاً الى المستوى العاشر في الاطار الوطني للمؤهلات (حملة درجة الدكتوراة المهنية) وذلك خدمة لمستقبل الشباب الاردني (ورفعنا عندها شعار التعلم والتعليم بهدف التشغيل، وكنا اول من اعلن بان الوظائف ستكون للمهارة وليس للشهادة على شاشة تلفزيون المملكة في لقاء مع عامر الرجوب وبحضور رئيس ديوان الخدمة المدنية)، وهو البرنامج الذي وصفه دولة الدكتور عمر الرزاز بانه يحقق الرؤى الملكية السامية، كما ان ديوان الخدمة المدنية تجاوببسرعة وعدل نظامه حينها لمنح امتيازات لخريجي هذا النوع من التعليم بالمسارات المهنية (بالمناسبة لم يقتنع احد الوزراء في ذلك الا بعد زيارة كنت في معيته بها الى المانيا للبحث عن الية لتشغيل الاردنيين، والتقى عندها في برفسور في مهنة حداد).
تم تقديم البرنامج رسمياً للتعليم العالي بتاريخ 3/ 1/2019 الا ان المفاجئة كانت برفضه من قبل مجلس التعليم العالي في جلسته تاريخ 29/8/2019 دون اي سبب يذكر، وبقي الامر عالقاً، الى ان تم عرض البرنامج امام جلالة الملك بتاريخ 17/2/2020 خلال زيارته التي تشرفت بها الجامعة في كلية العقبة لافتتاح مركز الهندسة البحرية، وليعود مجلس التعليم ويتخذ قراره بالموافقة في جلسته تاريخ 12/8/2020 (كانت قد حصلت الجامعة على ترخيص اربع تخصصات في هذه المسارات من مجلس التعليم العالي في جلسته تاريخ 4/8/2021، وكان من المفترض ان يبدأ قبول الطلبة فيها مع بداية الفصل الدراسي الثاني للعام 2021/2022)، الا ان عملية اقرار منح الشهادات المهنية قد تأخرت منذ ذلك الوقت وكنت قد اطلعت من الاعلام بان موافقة مجلس الوزراء صدرت بتاريخ 30/4/2024( وكاننا نملك ترف الوقت للاستمرار في ذلك الامر لاكثر من خمس سنوات للموافقة على منح الشهادات المهنية) مما اخر تطبيق البرنامج بالشكل الصحيح لعدة سنوات.
كما وقدمت الجامعة في تموز 2019 مشروع تدريب وتاهيل وتمكين الباحثين عن العمل من اصحاب التخصصات الراكدة والمشبعة ضمن الاطار الوطني للمؤهلات لدولة رئيس الوزراء، الا ان وزير العمل انذاك كان له رأي اخر، ولم يتم تنفيذ المشروع في وقته، واستبدل ببرنامج اخر من قبل وزارة العمل، تم تنفيذه تحت شعار التدريب بهدف التشغيل.
ان الاجراءات التي اتخذتها الجامعة ونفذتها (بدعم كامل من مجلس الامناء خلال الفترة 2016-2021 برئاسة كل من الدكتور محمد عدنان البخيت ومعالي المرحوم هشام الخطيب) بمنتهى المهنية دفع معالي وزير العمل سمير مراد ليصرح خلال حفل افتتاح المؤتمر الدولي للتعليم التقني بتاريخ 19/12/2019 بان جامعة البلقاء التطبيقية التقطت المؤشرات للرسائل الملكية مبكراً وسعت وما زالت لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية بمهنية. كما ان رئيس لجنة التربية والتعليم قي مجلس الاعيان وبتاريخ 17/12/2019، كان قد صرح بان الانجازات التي حققتها جامعة البلقاء في التعليم التقني تثلج الصدور. كذلك وزير التعليم العالي معالي محي الدين توق كان قد صرح بعد زيارته للجامعة بتاريخ 27/11/2019 بان البلقاء التطبيقية تسير بخطى كبيرة في تنفيذ الرؤى الملكية وان مختبرات البلقاء التقنية غير تقليدية وان الجامعة نجحت في نقل تخصصات مهن المستقبل.
كنتيجة للاجراءات المتخذة ارتفع عدد الطلبة الملتحقين في برنامج الدبلوم التقني والتطبيقي في الجامعة من 7291 طالباً عام 2016 الى 19978 طالباً، كما هو بتاريخ 26/10/2021 من بين 53903 طالباً على مقاعد الدراسة انذاك، وهي تشكل نسبة 37% (الهدف الوصول لنسبة 50% من اجمالي اعداد الطلبة في الجامعة بحلول2025)، ونجحنا عندها في تغير نظرة المجتمع الى هذا النوع من التعليم (على سبيل المثال ارتفع عدد الطلبة في كلية الكرك من اقل من 900 طالب عام 2016 على مستوى درجتي البكالوريوس والدبلوم الى 2346 طالباً في العام 2021 في الدبلوم لوحده، حيث تم ايقاف القبول في كافة التخصصات على مستوى البكالوريوس فيها، وفي كلية معان من 465 طالباً عام 2016 الى 1093 واربد الى 5097 طالباً في برامج الدبلوم وكلية السلط الناشئة 366 طالباً وغيرها من الكليات)، وفي المجمل ارتفع عدد الطلبة في كافة الكليات الوطنية من 18159 طالباً عام 2016 الى حوالي 36000 طالب في العام 2021 على ما اذكر.
كما ان نتائج الدراسة التي اجريت بالتشاركية مع مؤسسة الضمان الاجتماعي واعلنت نتائجها بتاريخ 7/12/2021 بينت ان نسبة التشغيل لمجمل خريجي الدبلوم كانت 80.08% بينما نسبة تشغيل خريجي الدبلوم التقني بلغت 96.22%، ووصلت في كلية معان الى 99%.
ان هذا مثال واضح على انه اذا توفرت الارادة لدى القيادة لاي مؤسسة وفريق العمل مؤمن بالرسالة المكلف فيها، كما كان بعضاً فريق جامعة البلقاء انذاك، الذي كان مقتنع بان الاستراتيجية الوطنية تعتبر مفتاح التحرك الايجابي لاصلاح التعليم وان تطبيقها بحزم وارادة صلبة هو حالة من التصالح مع الذات لانتاج المعرفة وتخريج جيل مسلح بالمهارات والكفايات لتحقق رؤى جلالة الملك وطموح سمو ولي العهد، مع الاخذ بعين الاعتبار ان تنفيذ اي خطة سيواجه عقبات وصعوبات وقوى شد عكسي، الا ان قوة الارادة والمتابعة والمساءلة على مؤشرات الاداء ( كما كانت تفعل مجالس الحاكمية في الجامعة انذاك، وخاصة مجلس الامناء برئاسة الدكتور البخيت ومعالي المرحوم هشام الخطيب) والمكافأة على الانجاز، ستؤدي حتماً الى نتائج ستحقق الرؤى الملكية واهداف اي استراتيجية اذا خطط لها بشكل جيد، ستكون ماثلة امام الجميع، وللمتابعين الحكم على مؤشرات الاداء على ان تكون موثقة.
في الجزء الثالث سنتطرق لمحور التعليم العالي في الاستراتيجية الوطنية، ماذا تحقق واين كانت الاخفاقات وتجربتي الشخصية خلال سنوات التنفيذ لها.