مدار الساعة - دعا رئيس هيئة الأوراق المالية الدكتور عادل بينو المؤسسات المالية الى السعي نحو تمويل مستقبلي اكثر استدامة نظرا للأثر العميق الذي يخلفه البعد الاجتماعي للاستدامة على النسيج المجتمعي، ولتعزيز الأثر الاجتماعي والتمويل الأخضر على المجتمع والاقتصاد.
جاء ذلك لدى إلقائه الكلمة الرئيسة للملتقى الاستراتيجي الذي نظمه اتحاد المصارف العربية وافتتح أعماله في عمان التي تستمر لمدة يومين تحت رعاية محافظ البنك المركزي الأردني د. عادل شركس تحت عنوان "تعزيز معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية: دعم الاجراءات المالية لتحقيق التنمية المستدامة" بمشاركة اكثر من 65 متخصصا من الاردن وفلسطين وسلطنة عمان والكويت، وألمانيا، وفرنسا.
وقال د. بينو انه على مؤسسات التمويل والاستثمار توجيه نسب متزايدة من محافظها الاستثمارية نحو ادوات جديدة مثل السندات الخضراء لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية التي تمكن من التعامل مع المتغيرات المناخية لتعزيز الشفافية وتخفيف المخاطر وجذب المستثمرين بما يساهم في التحول الى اقتصاد خال من الاضرار البيئية.
واوضح اهمية ادماج الشركات معايير الاستدامة بما تشمله من قضايا مثل الحوكمة والبيئة والمجتمع باستراتيجياتها المؤسسية بالإضافة الى الدور المحوري الذي يمكن ان تلعبه المصارف والاسواق المالية في الدفع نحو عالم اكثر استدامة.
وبشأن الحوكمة، أكد أنها أطر تشريعية وفنية تضمن أن جهودنا في ممارسات الاستدامة عميقة بما يكفي للحفاظ على استخدامات التمويل وقنوات الاستثمار آمنة، وأن هذه الجهود متجذرة في العمليات والإجراءات والتطلعات. فبدون أطر حوكمة فعالة تصبح المبادرات البيئية والاجتماعية مجرد إضافات لتجميل أعمال المصارف ومؤسسات التمويل ولا تعدو عن كونها إحدى وسائل التسويق وتحسين السمعة لا أكثر.
وحول مساعي جهات الرقابة والتنظيم في المملكة الأردنية الهاشمية إلى تبني أطر قانونية وتشريعية لمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية بهدف تحقيق الشفافية والمساءلة، أوضح د. بينو أن هيئة الأوراق المالية قامت وبالتشاركية مع البنك المركزي الأردني ووزارة التخطيط ووزارة البيئة وغيرها من المؤسسات الرسمية باتخاذ خطوات جادة وطموحة في هذا المجال، فنحن نعي تمام الوعي أن اختياراتنا ليست ذات أثر على حاضرنا وأعماله فقط، بل أيضًا على مستقبل الأجيال القادمة، إلا أن مسؤولياتنا اليوم لا تقتصر على وضع الإطار التنظيمي فحسب، بل تمتد إلى ضمان التطبيق الفعّال لهذه المعايير، بما يُمكّن الشركات من تحقيق التوازن بين تحقيق الأرباح وحماية البيئة وخدمة المجتمع، وقد جاءت أولى خطوات التطبيق بإصدار قواعد لإعداد تقارير الاستدامة للشركات المدرجة في مؤشر ASE20 في بورصة عمان، والتي تشكل البنوك أكثر من نصف عددها حيث إن هذه التقارير تشمل تقييمًا لتأثير أنشطة الشركة على البيئة والاقتصاد والمجتمع، بما في ذلك مستوى الانبعاثات الكربونية والعدالة الاجتماعية ودعم المرأة وأصحاب الهمم، وغيرها من المواضيع التي ترى الشركة بأنها ذات أثر جوهري. ولان المعيارية شرط أساسي لضمان الاتساق والتماثل بين تقارير الشركات، فقد تم اعتماد مبادئ ومعايير (GRI) المبادرة العالمية للتقارير Global Reporting Initiative، وإضافة محور الشفافية Transparency إلى التقرير بحيث ينسجم التقرير مع معايير أهداف التنمية المستدامة SDG Impact Standards.
وأَضاف رئيس الهيئة أنه وفي خطوة لاحقة ورائدة لتعزيز الشفافية والاستدامة في الأسواق المالية، فقد تم إطلاق دليل الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالتغير المناخي، إلى جانب الإطار التنظيمي والسياسة الخاصة بالإفصاح عن هذه المعلومات، وذلك بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدوليةIFCوشركة إرنست ويونغEY، والذي يتضمن مجموعة من المعايير والمبادئ التي تساعد الشركات المدرجة في بورصة عمان على تطوير افصاحات مالية وغير مالية تتعلق بالمناخ متوافقة مع المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، مما يعزز الثقة لدى المستثمرين ويُحسن من قدرة الشركات على مواجهة التحديات البيئية. ويتماشى هذا الدليل مع أفضل الممارسات العالمية، وتحديداً معايير الإفصاح الخاصة بالاستدامة الصادرة عن مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) مثل معاييرIFRS S1وIFRS S2.
وأكد د. بينو أنه وتتويجًا لكل تلك الجهود، ولتوحيد المرجعيات والأطر التشريعية للشركات في سوق رأس المال، فقد وافق مجلس الوزراء الموقر في الشهر تموز الماضي على الاتفاقية بين الهيئة ووزارة التخطيط مع مؤسسة التمويل الدولية IFC لتطوير الأنظمة المتعلقة بالإطار البيئي والاجتماعي والحوكمة في الأوراق المالية، لتصبح أكثر تماهيًا وتماشيًا مع المعايير الدولية في هذا السياق، ولدعم أداء الشركات المدرجة في بورصة عمان والتي تشمل البنوك الأردنية على الامتثال والتطبيق لأفضل الممارسات الدولية، وللحرص على دمج العوامل البيئية والاجتماعية في استراتيجيات الأعمال، مما يدعم أهداف التنمية المستدامة ويسهم في مواجهة تحديات تغير المناخ، ويفضي بالنتيجة إلى اقتصادٍ وطنيٍ قوي ومستدام وجاذب للاستثمار.
وقال أن هيئة الأوراق المالية استقرت وبالتوافق مع الشركاء على المضي قدمًا باعتماد المعايير الصادرة عن مجلس ISSB والمؤسس ضمن إطار مؤسسة معايير إعداد التقارير المالية الدولية IFRS، والتي تركز على الأهمية المالية واحتياجات المستثمرين وبما ينسجم مع التقارير المالية المعدة بموجب معايير المحاسبة الدولية، لتكون تقارير الشركات الأردنية عالمية الطابع وواسعة وشاملة، مبينا أن هيئة الأوراق المالية قد انضمت في الشهر الماضي إلى مجموعة من 31 دولة عضوًا في لجنة الأسواق النامية والناشئة GEMC المنضوية تحت المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية IOSCO التابعة لمجلس الاستقرار الماليFSB ، وذلك لدعم تبني واستخدام معايير الإفصاح عن الاستدامة، حيث سيتعاون الأعضاء في بناء القدرات المحلية لكل دولة لتنفيذ متطلبات المعايير، كما ستوفر المجموعة منصة لتعزيز تبادل المعلومات على المستوى الإقليمي.
ولفت إلى أن هذا الملتقى جاء لاستكشاف تقاطعات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والخدمات المالية والمصرفية، وهو نابعٌ من إدراك الهيئة لحاجة المستثمرين والعملاء والمجتمعات المحلية لتكاتف الجهود للارتقاء بإنجازاتنا لحدود تتعدى تطلعاتنا. وقال " لذا، فإننا لا ننظر إلى مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية كالتزامات وبيانات يتم الإفصاح والتقرير عنها بشكل دوري فقط، بل يجب أن تصبح قيما أساسية مدمجة في النظم المؤسسية. وكهيئات تنظيمية، فإن دورنا في تشكيل مستقبل مستدام لا يتوقف على اختيار الإطار فحسب؛ بل باختيار النهج الذي ستتواصل به شركاتنا ومصارفنا مع العالم. ولكي تجد هذه الممارسات صدىً عميقًا لدى المستثمرين الذين يحملون مفاتيح تدفقات رأس المال العالمية، والتي تبدو أسواقنا العربية الناشئة الأكثر تعطشًا وترحيبًا بها".
من جانبه ألقى نائب محافظ البنك المركزي الدكتور زياد غنما كلمة نيابة عن المحافظ الدكتور عادل الشركس أشار فيها إلى الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي واستراتيجية التمويل الأخضر التي أطلقها البنك المركزي الأردني حيث اكتسبت معايير الحوكمة الاجتماعية البيئية زخما كبيرا في السنوات الأخيرة وازدهرت الاستثمارات في هذا المجال ولم تعد الغاية من هذه الاستثمارات فقط جني الأرباح بل تستثمر الأموال من أجل إحداث تغيير مجتمعي وتوسيع استخدام الطاقة النظيفة وتخفيف آثار التغير المناخي على الاقتصاد والاستقرار المالي. واستعرض الإنجازات والفعاليات والأنشطة التي شارك فيها البنك ونظمها لتعزيز اعتماد معايير الحوكمة والاستدامة البيئية والاجتماعية.
من جهة أخرى ألقى مدير عام جمعية البنوك في الأردن الدكتور ماهر المحروق كلمته نيابة عن رئيس مجلس إدارة الجمعية المهندس باسم السالم، أكد فيها أهمية معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية إلا أنه يرى أنها تواجه مجموعة من التحديات أبرزها ضعف توافر أدوات القياس والمعايير الموحدة بالإضافة إلى تحديات الغسل الأخضر وإصدار الشركات لتقارير مبالغ فيها حول أدائها البيئي والاجتماعي دون تحقيق نتائج ملموسة، بالإضافة إلى تكاليف تطبيق المعايير في حال كان الاستثمار طويل المدى، ومخاوف الشركات من الصعوبات المتعلقة بآلية عكس المؤشرات الاجتماعية والبيئية في مؤشرات رقمية أو مالية واضحة.
وللتغلب على هذه التحديات، يرى د. المحروق ضرورة توفر جهودا دولية لتوحيد المعايير الدولية بالإضافة إلى تحسين حوكمة الشفافية والمساءلة، وتحفيز الجهات الحكومية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، والعمل بشكل تشاركي على تعزيز السياسات الوطنية وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
من جانب آخر ألقى مدير المنتديات والمؤتمرات في اتحاد المصارف العربية محمد مسعود كلمته نيابة عن أمين عام اتحاد المصارف العربية الدكتور وسام فتوح قال فيها إن دور المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة كإطار شامل يمكن المؤسسات المالية من دمج المسؤولية البيئية والاجتماعية في استراتيجياتها وضمان استدامة النمو وتعزيز القيمة طويلة الأجل يأتي انطلاقا من التغيرات المتسارعة والتحديات غير المسبوقة التي يشهدها عالم اليوم سواء على صعيد البيئة أو الاقتصاد أو المجتمع والتي توفر على الرغم من ذلك فرصا هائلة حيث تلعب المصارف والمؤسسات المالية دورا محوريا في توجيه رؤوس الأموال نحو الاستثمارات المسؤولة والمستدامة مما يجعلها جزءا أساسيا من الحلول المطلوبة.
وكشف عن بلوغ تكلفة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمات البيئية التي يتكبدها الاقتصاد العالمي ما يتجاوز 160 مليار دولار سنويا وفي المقابل تشير الدراسات أن التحول إلى ممارسات أكثر استدامة يمكن أن يولد قيمة اقتصادية إضافية تصل إلى 26 تريليون دولار بحلول 2030، فيما تواجه هذه الفرص صعوبات عديدة أهمها أن أقل من 45% فقط من المؤسسات المالية العربية تتبنى معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية بشكل كامل في استراتيجياتها، الأمر الذي يقود إلى ضرورة القيام بإعادة تصميم رؤيتنا لمستقبل القطاع المالي وربط العوائد الاقتصادية بتأثير إيجابي عميق على المجتمع والبيئة.
وناقشت جلسات فعاليات اليوم الأول من الملتقى العلاقة بين التمويل الأخضر والتحول إلى الاستدامة وتم استعراض الأنواع المختلفة للتمويل المستدام وكيفية ربط المؤسسات المصرفية مع اهداف التنمية المستدامة والتحديات والفرص لتمويل التحول نحو الاستدامة في القطاع المصرفي حيث تحدث المدير التنفيذي لدائرة الاستقرار المالي في البنك المركزي محمد العمايرة عن ذلك وأكد أهمية التعاون مع أصحاب المصلحة والتكامل مع مؤسسات المجتمع المدني عند تطوير استراتيجية للتمويل الأخضر والحرص على ألا يكون بمشاريع التمويل والاشتمال المالي أي عمليات للغسل الأخضر وتطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية. كما ناقشت الجلسات دور اتحاد المصارف العربية في تفعيل دمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة في البنوك العربية ودمج معايير الحوكمة في استراتيجيات البنوك والدور الحيوي للمجالس الإدارية واللجان المتخصصة في هذا الجانب وتوضيح كيفية تحديد الأولويات في هذا السياق لتعزيز اتخاذ قرارات استراتيجية تعزز وتدعن الاستدامة، حيث تحدث عن ذلك مؤسس ورئيس شركة كابيتال كونسيبت ورئيس الرقابة على شركات خدمات الدفع ومسؤول التمويل المستدام في سلطة النقد الفلسطينية سامح صوافطة وخبير التمويل المستدام وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جامعة فرانكفورت.