منذ تشكيل حكومة الاحتلال الحالية بقيادة نتنياهو التي تضم وزراء من أحزاب يمينية متطرفة، يواجه الشرق الأوسط تحديات متزايدة تهدد استقرار المنطقة ادت الى اشعال حروب راح ضحيتها آلاف البشر وتدمير مقدرات عديد من دول وشعوب المنطقة خاصة العدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والانتهاكات المستمرة للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، فهل سينهي اتفاق وقف اطلاق النار في غزة الذي دخل حيز التنفيذ يوم امس ومن قبله الاتفاق مع لبنان الحروب التي افتعلتها دولة الاحتلال في المنطقة؟
حكومة الاحتلال التي تتبنى سياسات اكثر تطرفا من مثيلاتها واجراءات قمعية تجاه الفلسطينيين تعبر عن رفضها للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في الحياة الكريمة واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، اسهمت بشكل مباشر ومع سبق الاصرار والترصد في تصعيد الأزمات السياسية والإنسانية في الأراضي المحتلة وفي خلق بيئة غير مستقرة وقابلة للتصعيد في أي لحظة وتأجيج الصراع على الصعيدين الإقليمي والدولي.
هذه الحكومة المتطرفة تعمد الى خرق القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية حيث تستند في سياساتها إلى توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية ورفض المفاوضات مع السلطة الفلسطينية اضافة الى اجراءاتها التعسفية ضد الشعب الفلسطيني في مختلف مناطقه امما يزيد من تفاقم وصعوبة الوضع الإنساني في الضفة الغربية وغزة، حيث يعاني السكان من القيود الاقتصادية وعمليات القتل والاعتقالات الممنهجة المتواصلة، وفي الوقت ذاته تستمر الاعتداءات الاسرائيلية ضد دول الجوار بالتوسع خاصة في ظل العدوان المستمر واحتلال أراض جديدة في كل من سوريا ولبنان، الامر الذي سيجعل المنطقة باستمرار على فوهة بركان قد يثور في أي لحظة بما يعنيه ذلك من عود تأجج الصراع في فلسطين وجوارها من الدول العربية وربما تمتد المواجهة لتشمل مناطق وشعوبا اخرى في المنطقة.
على المستوى الإقليمي، فإن استمرار الحكومة المتطرفة في إسرائيل بسلوكها العدواني ضد دول الجوار سيؤدي إلى تعزيز مشاعر الغضب في العالم العربي والإسلامي، مما يفاقم فرص استمرار الصراعات والحروب في المنطقة، كما تساهم هذه السياسات في تعزيز وجود انواع جديدة من الجماعات والميليشيات المتطرفة مما يعرض أمن دول الجوار للخطر، وكل ذلك سيؤدي بالتأكيد في حال استمراره إلى تدهور العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي، وقد تزداد الضغوط الدولية على دولة الاحتلال الاسرائيلي مع كل انتهاك اضافي لحقوق الفلسطينيين وغيرهم من الشعوب والدول.
ان استمرار الاعمال العدوانية لحكومة الاحتلال المتطرفة ضد دول وشعوب المنطقة سيشكل تهديدا مباشرا للامن الاقليمي ويعرقل كل الجهود والمحاولات الاقليمية والدولية الرامية لتعزيز الاستقرار والسلام، مثلما انه سيؤدي أيضاً الى تفاقم الازمات الانسانية الناتجة عن استمرار الحروب والصراعات في المنطقة بما يتبعها من تدهور الاوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية القاسية، وازدياد الفقر والبطالة وكذلك بث روح العداء والكراهية بين شعوب المنطقة.
في مواجهة التنامي الواضح لتطرف حكومة الاحتلال ينبغي على المجتمع الدولي العمل وبشكل عاجل وجاد ومخلص لاجبار هذه الحكومة للعودة إلى اجراء مفاوضات شاملة مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية يشمل كل القضايا العالقة بما في ذلك الأرض والقدس واللاجئين ويفضي في النهاية الى حصولهم على كامل حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، ولن تنعم دولة الاحتلال ولا شعوب المنطقة بالامن والاستقرار دون تحقيق هذا الهدف.
وفي هذا الاطار يمكن للدول العربية العمل على توحيد الموقف العربي وبتنسيق أكبر لدعم القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، من خلال فرض ضغوط على إسرائيل وفتح قنوات دبلوماسية جديدة مع المجتمع الدولي، مع التركيز على ضرورة ضمان استمرار ضغط الأمم المتحدة والدول الكبرى على إسرائيل لوقف سياساتها القمعية والعدوانية ضد الفلسطينيين ودول المنطقة واللجوء الى فرض عقوبات ضد أي انتهاك لحقوق شعوب المنطقة وسيادة دولها لردع إسرائيل عن الاستمرار في سياساتها الحالية، والعمل كذلك على مستوى المنظمات الدولية وحقوق الإنسان لمواصلة الضغط على دولة الاحتلال لضمان احترام حقوق الفلسطينيين وشعوب المنطقة في العيش الكريم وبأمن وسلام، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية.
بالمحصلة فإن استمرار السلوك العدواني المتطرف لدى حكومة الاحتلال سيؤدي بالتأكيد الى استمرار تهديد الاستقرار في الشرق الأوسط ويعمق الصراعات القائمة ويزيد من احمالات تجدد الحروب، وفي مواجهة ذلك فمن الضروري استمرار الضغط العربي والاسلامي والدولي، ودعم حقوق الفلسطينيين، وتعزيز اطر التعاون الاقليمي والدولي بهدف اعادة احياء اعتماد المفاوضات كسبيل منطقي وعقلاني وممكن لحل نزاعات وصراعات المنطقة، مع الاخذ بعين الاعتبار أن السلام في الشرق الأوسط لن يكون ممكنا ما لم تتم معالجة القضايا الجوهرية بجدية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والعربية، عندها فقط يمكن للعالم أن يساعد في تخفيف حدة التوترات ومنع بدء سلسلة جديدة من الحروب المدمرة وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة وازدهارا للمنطقة بدولها وشعوبها.