الجزء الثاني: التعليم العام
ان عملية التطوير والتحديث والتخطيط للوصول الى نظام تربوي نحو اقتصاد المعرفة فقد بدأت منذ مطلع القرن الحالي، وتحديداً منذ عام 2003. وهنا يجب ان نشير الى ان جلالة الملك وبتاريخ 5/5/2003 كان قد اكد على ضرورة التطوير التربوي نحو اقتصاد المعرفة، الذي يركز على دعم وتحقيق تكافؤ فرص التعليم الكمي والنوعي لطلبة المدارس وإتاحة الفرصة أمامهم للتعامل مع التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات، والذي يهيئ المجال لإبراز الكفاءات وإيجاد فرص العمل للخريجين.
وكان قد وجه جلالته الحكومة عندها الى دعم الإستراتيجية التي وضعتها وزارة التربية، وتنفيذ مشروع التطوير.
وحسب وزير التربية حينها بان مشروع التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي (ERfKE 1) للسنوات 2003- 2008، يحتوي على اربع مكونات رئيسية (إعادة توجيه السياسة التربوية والأهداف والإستراتيجية التربوية من خلال الإصلاح الحكومي والإداري، تغيير البرامج والممارسات التربوية لتحقيق مخرجات تنسجم مع الاقتصاد المعرفي، توفير الدعم لتجهيز بيئات تعليمية تتميز بالجودة، تنمية الاستعداد للتعليم من خلال التربية ابتداء من مرحلة الطفولة المبكرة) وبكلفة مالية بلغت 352 مليون دولار (منح وقروض)، كما كان من المفترض ان يتيح المشروع المجال للطلبة ليصبحوا فاعلين ومبتكرين للمعرفة والمهارات والوصول إلى التقنيات المختلفة التي تدعم نموهم وتجعلهم قادرين على المشاركة في الاقتصاد المعرفي، وان يجسد التطبيق الكامل للتعلم الإلكتروني والسهولة في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
اما المرحلة الثانية من المشروع (ERfKE 2) للفترة 2009-2014، والتي تهدف الى إكساب الطلبة المسجلين في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي مستويات مهاراتية عالية لتمكينهم من المشاركة في اقتصاد المعرفة، ومن مكوناته ايضاً تطوير المناهج وبشكل خاص الرياضيات، والعلوم، واللغة العربية والانجليزية، والمهارات القرائية وغيرها، وبتكلفة ماليه قدرت 410 مليون دولار (منشور بتاريخ 30/12/2009).
بعد كل هذا الجهد والانفاق جاءت الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية (2016-2025) لتعلن ان النظام التعليمي تراجع خلال السنوات العشر الماضية، وان أكثر من 80% من طلاب الصف الثاني والثالث لا يمكنهم فهم ما يقرؤون (صفحة 132 من الخطة) وانها ستعمل على معالجة أوضاع التعليم، وتطرقت الى العوامل المؤثرة في جودة المخرج التعليمي (المعلم، المنهاج، البيئة التعليمية، القيادة التربوية والموارد المالية)، وهو الموضوع الذي تحدثت عنه جلالة الملكة رانيا بكل قوة وصراحة ورؤية واضحة وشفافة اثناء حفل اطلاق الاستراتيجية.
ولتحقيق الاهداف الاسترتيجية تم وضع عدداً من المشاريع ومنها تدريب المعلمين، هذا مع العلم بان تدريب المعلمين كان قد بداء بالفعل منذ عام 2009، وهو تاريخ تأسيس اكاديمية الملكة رانيا، وهي الاكاديمية الرائدة والمتميزة في تقديم برنامج مبتكر في هذا المجال، وهي التي استجابات لمتطلبات الاستراتيجية وطرحت برامج الدبلوم المهني في التعليم والدبلوم المهني في القيادة التعليمية منذ عام 2016.
كما ان عملية تطوير المناهج استمرت اثناء فترة تنفيذ مشروع التطوير التربوي (خلال السنوات 2003-2014) من قبل وزارة التربية الى ان تم نقل هذه المهمة الى المركز الوطني لتطوير المنهاج عام 2017.
انه لمن الصعب ان نقف عند كل مواضيع الاستراتيجية، ولن اتطرق لتكافؤ الفرص، او الابتكار وانماط التفكير او مكانة المعلم (باعتبارها غير قابلة للقياس الرقمي) ، ولا الى نوعية القيادات التعليمية (لأنني غير مطلع على تقيمهم) وسأتجاوز موضوع عدد المدارس (كونه مرتبط بالتمويل، ولقناعتي بان العالم يتحول الى التعليم الرقمي بشكل موازي للتعليم القائم حالياً الذي سينتهي خلال العقود القليلة القادمة) وسأذهب الى جودة التعليم، والتي تم تحديد نتائج الاختبارات الدولية مثلTIMSS و PISA وغيرها كمؤشرات اداء (صفحة 162) كما جاء في الصفحة 35 بان الهدف ان يتحسن اداء الطلبة في اختبارات TIMSS ليكون خلال 5 سنوات بواقع 489 في العلوم و 446 في الرياضيات، وخلال 10 سنوات 509 في العلوم و 466 في الرياضيات.
ان تقرير المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية لاختبارات الرياضيات والعلوم يبين ان مشاركة طلبتنا في هذا النوع من الاختبارات بدأت منذ عام 1999، وللمقارنة فانني اكتفي بنتائج طلبة الاردن للصف الثامن مقابل طلبة سنغافورة لنفس الصف منذ عام 2007، بعد اربع سنوات من المباشرة في مشروع التطوير التربوي، لعلنا نستنتج اين يكمن الخلل.
في اختبارات عام 2007 كانت نتيجة اختبارات العلوم 482 (سنغافورة 567) والمتوسط العالمي 466، وفي الرياضيات 427 (سنغافورة 593) والمتوسط العالمي 451، وفي العام 2011 نتيجة اختبار العلوم 449 (سنغافورة 590) والمتوسط العالمي 477، وفي الرياضيات 406 (سنغافورة 611) والمتوسط العالمي 467، وفي عام 2015 كانت نتيجة اختبار العلوم 426 (سنغافورة 597) والمتوسط العالمي 486، وفي الرياضيات 386 (سنغافورة 606) والمتوسط العالمي 481، وفي عام 2019 نتيجة اختبار العلوم 452 (سنغافورة 608) والمتوسط العالمي 490، اما في الرياضيات فكانت النتيجة 420 (سنغافورة 616) والمتوسط العالمي 489. اما نتائج 2023 والتي صدرت بتاريخ 4-12-2024، والتي بينت تراجع كبير لطلبتنا حيث كانت في العلوم 413 (سنغافورة 606) والمتوسط العالمي 550، بينما في الرياضيات 388 (سنغافورة 605) والمتوسط العالمي 478.
وهنا لن اتطرق الى نتائج اختبارات PIRLES والتي تقيس مهارات القراءة للطلبة، والتي لم تحدد الاستراتيجية درجة محددة للوصول اليها، الا ان النتائج الاخيرة كانت ثقيلة علينا، حيث حقق طلبتنا نتيجة اقل من المعدل العالمي ب 122 درجة ومن المتوسط العربي ب 48 درجة، ونتائج اختبارات PISA لدورة 2022 والتي وضعت طلبتنا في المرتبة 75 من بين طلبة 81 دولة، ولكم ان تتخيلوا ما وصلنا اليه مع كل اسف.
من نتائج الاختبارات الدولية، يتبين ان نتائج طلبتنا بعيدة كل البعد عن الدرجات التي كان من المفروض ان يصلوا اليها بعد 5 سنوات من انطلاق الاستراتيجية او بحلول عام 2025، حيث كان المؤشر ان يصل طلابنا الى 509 درجة في العلوم و466 في الرياضيات ، وفي جميع الاحوال فان الاستراتيجية كانت قد وضعت هدفاً نهائياً اقل من المتوسط العالمي لنتائج الاختبارات.
وهنا، نجد باننا اصبحنا بامس الحاجة لمعرفة اسباب هذا التراجع بعد ان اكثر من عقدين من الزمن (مدة تنفيذ مشروع التطوير التربوي 3003-3014، والعمل بالاسترتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016-2025) انفق فيها المال والجهد الكبير، لتكون النتيجة مزيداً من التراجع وارتفاع في نسبة الفاقد التعليمي وفقره، الواجب ان نقيم ونعرف اين يكمن الخلل، فاذا قلنا ان في الطلبة، سنكون غير منصفين، حيث ان طلبتنا لا يختلفوا عن غيرهم من الطلبة في دول العالم التي تعيش ظروف طبيعية كالاردن، فاذا افترضنا باننا قمنا بتطبيق مناهج سنغافورة في العلوم والرياضيات واللغة الانجليزية، والتي تميز طلبتها في الاختبارات الدولية، مع تدريب مكثف للمعلميين، هل سيتحسن اداء الطلبة؟ ام سنعود للبحث عن الاسباب لنقول عندها ان سبب التراجع يكمن في بعض القيادات التعليمية التي قادت مشاريع التطوير؟
في الجزء االثالث، سأتحدث عن التعليم المهني والتقني وخاصة خلال الفترة 2016 - 2021 ، والاجراءات التي اتخذت والعقبات التي واجهناها في هذا القطاع.